9/5/2023
يراقب اتحاد حرية الصحافة بحذر شديد اصرار مجلس النواب العراقي على المضي بالقراءة الثانية لقانون “حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي”، خلافا لرؤية نخب قانونية وأكاديمية وثقافية وصحافية وكل أصحاب المصلحة المباشرة في هذا القانون.
وكانت منظمات المجتمع المدني المختصة والمعنية اجمعت (في الدورات البرلمانية السابقة) على صياغة للقانون تنسجم مع الدستور والمواثيق والمعاهدات الدولية، لكن السلطة التشريعية تتجاهل ذلك، وتصر على المضي باستخدام مسودة قانون تتضمن العديد من القيود المخالفة لمبادئ الدستور والعهود والمواثيق الدولية، كورقة لعب سياسية او أداة إشغال للرأي العام.
ويعد ذلك ضربا للأسس الديمقراطية التي ضمّنها ونص عليها الدستور العراقي، وتجاهلا للرأي العام الذي يتطلع الى التوسع في الحريات وفق مبادئ المواثيق الدولية التي وقع عليها العراق وعدها كنهج للعراق الديمقراطي الجديد، كما يخالف رأي منظمات مجتمع مدني، وفاعلين سياسيين، وثقافيين، وصحافيين، وأكاديميين، وقانونيين، وكل من يمس القانون مصالحه.
ويؤكد الاتحاد ان مشروع القانون الحالي الذي يصر البرلمان على المضي في قراءته، ينطوي على مشاكل وانتهاكات عدة، يمكن تلخيص ابرزها بالآتي:
1- فيما يتعلق بأهداف هذا القانون وفي المادة الثانية منه والتي تنص ( يهدف هذا القانون الى ضمان وتنظيم حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل وحرية الاجتماع والتظاهر السلمي وحق المعرفة بما لايخل بالنظام العام أو الاداب العامة وتحديد الجهات المسؤولة عن تنظيمها )، فأن هذا القانون يخلط بين حرية التعبير عن الرأي، والتي اعطاها الدستور حرية كاملة غير مقيدة، وبين حرية الاجتماع والتظاهر السلمي التي كفلها الدستور ايضا دون قيود، الا ما يتعلق بتنظيمها بقانون وفق القيم الديمقراطية والمعايير التي حددتها المواثيق والعهود الدولية.
2- في الفصل الثالث والمعني بحرية الاجتماع والتظاهر السلمي، فأن هذا القانون يسلك مسلكا واضحا ليس باتجاه تنظيمي بقدر كونه اتجاها يهدف بوضوح لمنع أي فكرة احتجاج، فينص في المادة السابعة منه على شروط واجراءات لا يمكن معها تخيل وجود احتجاج سلمي، فيلغي هذا النص الموجود في قانون حرية التجمع والصادر من سلطة الائتلاف رقم( 19) لسنة 2003 والتي تشترط مجرد “اخبار” السلطات الامنية بغرض التظاهر لحمايتها، في حين المشرع الحالي يحاول الزام الاحتجاجات بموافقات السلطات الادارية على التظاهر، وفق معايير للموافقة يستحيل تنفيذها، فكيف توافق سلطة ما على التظاهر ضدها؟.
3 – ان مجمل فقرات هذه القانون مختومة بقيود ” الاداب العامة، النظام العام، الشخصيات المقدسة”، وغيرها من المفاهيم العائمة والمطاطة دون تحديد معنى واضح لها التي يسهل معها التأويل بأي اتجاه تبتغيه السلطات، وهو ينم عن ارث استبدادي، ومنهج غير ديمقراطي، لان النظام الديمقراطي بطبيعته لا يسمح بوجود هكذا مفاهيم، لأنها وبوضوح تتيح للسلطات الهيمنة والبطش لأي شخص أو جماعة، والحجة هي هذه المفاهيم التي لا أحد يعرف ما تعنيه وما هي حدودها القانونية.
ان جوهر النظام الديمقراطي هو الدستور المتفق عليه في تنظيم العلاقة بين مؤسسات الدولة والمجتمع، وفي ديباجة هذا الدستور ومواده توضع المبادئ والافكار العامة التي تعّرف هوية هذه الدولة، ورسم علاقتها بالمجتمع والافراد من خلال قيم يعيها النص، ومن المفترض أن تعيها النخب السياسية والمدنية، فلا يجوز من خلال دستور عام 2005 النافذ أن يُشرع قانون يتعارض معه، أي سواء يتعارض مع مواده المكتوبة، أو مع القيم الضمنية التي يتبناها في ديباجته، أو مع السياقات الديمقراطية التي ينص الدستور على تبنيها.
واذا ما كانت فكرة وجود القانون تصب في المصلحة العامة والاستقرار الاجتماعي فإن هذا القانون ومن خلال مجمل مواده لا يخدم الإ مصلحة القائمين على النظام السياسي في الهيمنة والبطش وكبت اي صوت معارض لها ومنع أي حراك اجتماعي او سياسي من قول كلمته بوجه الفساد وخراب الادارة وضياع البلد.
“اتحاد حرية الصحافة” في العراق يطالب السلطة التشريعية، بايقاف مسلسل التشريعات ومقترحات القوانين المخالفة للدستور، والإلتزام بالقَسَم النيابي، والبنود الدستورية، والمواثيق والمعاهدات الدولية، والالتزام بمبدأ الشعب مصدر السلطات والتشريعات.