تهديدات وتخويف ومساءلات أمنية ومتابعات قضائية ورفض للتراخيص وإجراء الحوارات وحجز لأدوات العمل وطرد… بمناسبة اليوم العالمي للاجئين،تندد مراسلون بلا حدود بالعراقيل المتعمّدة التي تضعُها الدول لإعاقة التغطية الإعلامية لأخطر أزمة إنسانية منذ بداية القرن الحادي والعشرين
لم يتصوّر الصحفي السندرو بوقليا الذي يشتغل لفائدة “لا ريبوبليكا” أن ينتهي تحقيقه الصحفي بخصوص مركز إيواء المهاجرين بجهة كاتانيا بسيسيليا بذلك الشكل حين تمّ استدعاؤه إلى التحقيق بسبب ما أورده من شهادات لاجئين” يستهجنون معاملتهم كحيوانات” وإن تكفّلت العدالة الايطاليّة بالقضية، فذلك ليتمّ تتبّع الصحفي بتهمة ترويج أخبار زائفة
فمن اكتشف هذا المركز، حيث الحقوق الأساسيّة للمهاجرين مُنتهكة، يجد نفسه عرضة للشتم والتهديدات على شبكات التواصل الاجتماعي وسيُحاكم في أكتوبر 2018. والأمر الأصعب “وغير المقبول” بالنسبة لالسندرو بوقليا أن نكون حيال “شكل من الترهيب يكتسي طابعا قانونيا” يهدفُ إلى “تثبيط الصحافيين على أداء عملهم”
تعوّد الصحافيون الذين يقومون بتغطية قضايا الهجرة، في الجنوب الشرقي لفرنسا على الحدود مع إيطاليا، أن يجدوا أنفسهم أمام “شكل قانوني آخر من الترهيب” ذلك الذي تمارسه قوات حفظ النظام. ويستنتج المصوّر الصحفيّ لوران كاري أن هذا “الموضوع هو الذي تعرضت بسببه إلى أكبر قدر من الضغط”، رغم أنّه بصفته مراسلا جهويا لأسبوعيّات عديدة من بينها “ليبيراسيون” يجري، بشكل مستمر، تقارير صحفية مع رجال الأمن
لم يعد هذا المُصوّر- المراسل الصحفي يحصي عدد المرات التي وجب عليه خلالها أن يستظهر ببطاقته المهنيّة ويؤكّد “حقّه في تصوير” اللاجئين الذين يتنقلون على الطريق العمومي، وبحضور قوات الأمن “التي تؤكد أن لا حق له في ذلك “. وبلغ الأمر أن وجد نفسه، في جانفي/ يناير 2017، يُعاملُ بخشونة ويُلقى به أرضا من طرف رجال الدرك الذين اقتحموا عنوة أرض الفلاح سيدريك هرّو الذي تقع متابعته بتهمة التضامن مع المهاجرين
وفي مناسبة أخرى حذره رجل درك متنقل يعرفه، يشتغل في شرطة الحدود، بالقول :” احذر سيدي بألا تعمل مستقبلا على هذه المواضيع، لأنّك تخاطر بإمكانية التعرض إلى مشاكل”
إيقافات أثناء التحقيق الصحفي
تعرّض الصحفي الأمريكي سبنسر وولف إلى مشاكل حينما كان بصدد تصوير وثائقيّ لفائدة
“ذي جوارديان” يشتغل فيه على قضيّة سيدربك هارو وسكان منطقة “رويا” المتضامنين مع المهاجرين. وقع استجوابُه نهاية جوان / يونيو 2017 وتم إيقافه تحفضيا لـ24 ساعة و55 دق بتهمة “مساعدة أشخاص على العبور بشكل غير قانوني”، وكان ذلك من طرف رجال الأمن أنفسهم الذين صوّرهم قبل أسابيع حينما كانوا يتابعون الشخصيات التي يشتغل عليها على الميدان
يذكر سبنسر وولف أنهم “يعرفون جيدا أنني صحفي، ومع ذلك استجوبوني مطوّلا لمعرفة معطيات بخصوص سدريك هارو”
وفي نفس المنطقة، قبل ستة أشهر قضّت ليزا قياشينو، مديرة النشر بشهرية ” لاج دي فير” عشر ساعات في الاحتجاز بعد أن تم إيقافها من قبل شرطة الحدود حيث كانت تتابع، من خلال تقرير صحفي، ستة مراهقين أريتريين. وأوضحت الصحفيّة في افتتاحية نشرتها أن “رجال الشرطة أوقفوني دون الأخذ بالاعتبار كوني صحفية” وانتهت إلى أنّه “في الحقيقة، تمّ تسخير مئات الجنود وعناصر الدرك وأعوان الشرطة وموظفي العدالة حتى يتجندوا في منطقة الألب ماريتيم لتعقّب المهاجرين وقمع كلّ من يساعدهم، بل كل من يهتمّ بهم”
يؤكّد المراسل المستقل رافييل كرافت أنّه خلف الهدف المعلن بتفكيك شبكات مهربي الأشخاص “ثمة إرادة واضحة لإعاقة عملنا على الميدان”. وكتب هذا المراسل المستقل موادا صحفية عديدة بخصوص المُبعدين في فنتيميل والسفينة الإنسانية أكواريس وفي ممرات جبال الألب الحدودية وخاصة في منطقة برينسون حيث تم ايقافه نهاية 2017 صحبة كارولين كريستيناز الصحفية في أسبوعية ” لوطون“. ويؤكّد رافييل كرافت “ليست قوات الأمن وحدها من يمنعنا من العمل، فالبلديات تُعيقُنا وكلّ أجهزة الدولة التي لا تستجيب لطلباتنا”، ففي فرنسا وايطاليا لا تقع الاستجابة إلى طلباتنا لمحاورة الفاعلين الرسميين المعنيين بالمهاجرين ولا تمنح التراخيص مطلقا لدخول مخيمات اللاجئين
هذه الظاهرة ليست جديدة، ففي سنة 2012، وفي إطار حملة “افتحوا الأبواب! من حقنا أن نعرف”! أدانت مراسلون بلا حدود عدم تمكن الصحافيين من العمل داخل مراكز الإيواء في أماكن متفرقة من أوروبا
وصرح كريستوف ديلوار، أمين عام منظمة مراسلون بلا حدود، أنه لا يمكن لمجتمعاتنا الاستغناء عن التغطيات الإعلامية لأزمات الهجرة التي تحتل مركز النقاش العام اليوم في أوروبا وخارجها. وإن الإخبار حول هذا الموضوع لا يمثل جرما. فلماذا إذا يقع استجواب الصحافيين واعتقالهم وحجز معدات عملهم ومنعهم من دخول مراكز الاحتجاز ومخيمات اللاجئين؟ على الدول واجب ومسؤولية عدم إعاقة عمل الصحافة بحجة الوضع الأمني وتزيين الواقع الذي غالبا ما يكون مأساويا
تحقيقات صحفية تكشف انتهاكات للحقوق الأساسية
يلاحظ رافيل كرافت أن التحقيقات والتقارير الصحفية حول المهاجرين “تُسائِلُ السلطات الرسمية حول لا قانونية ممارساتها، فهي ترتكب جُرم التخلي عن المسؤلية وعدم مساعدتها شخصا في حالة الخطر وتتجاهل الأقلية، نحن غالبا على حدود القانون”. وهذا هو الاستنتاج الذي قدّمه الصحفي كلار بيلات والمصوّر الصحفي أوليفيي جوبارد اللذين عبرا ستّة بلدان بشكل غير قانوني لتوثيق مسار لجوء خمسة مهاجرين من كابول إلى باريس خلال سنة 2013
وتمّ ايقاف المركب، الذي كانا على متنه، وتفتيشه في عرض المياه اليونانية وإبعاده داخل المياه التركية بعد أن تمّ أخذ محرّكه. ويؤكّد الصحافيان أنّه “لو تمّ التعرّف على هويتهما الصحفيّة لما كان بوسعهما أخذ الدليل على أن حرس الحدود اليوناني يمارس أساليب غير قانونية في الطرد القسري الجماعي”
وبعد أن تمّ كشف هويّة كلاربيلي وأولوفيي جوبار على الحدود التركيّة تمّ استجوابُهُما وطردُهما بعد الحُكم عليهما بخطية ماليّة وتحجير دخولهما الأراضي التركيّة لمُدّة عامين. وإن كانت ظروف طردهما طيبة فإنه بعد أربع سنوات حيث ساء الوضع كثيرا بالنسبة لوسائل الإعلام في تركيا بعد محاولة الانقلاب في جويلية 2016 أضطرّ الصحفي الإيطالي غابرييل دال غراند إلى خوض إضراب جوع ليتمكّن من مغادرة مركز احتجاز وضع فيه لمدّة أسبوعين بعد أن تم إيقافه خلال إنجازه تقريرا حول اللاجئين على الحدود السورية
حجب معلومة تخص واقعا، فعل جائر وغير إنساني
الصورة أكثر سوادا خارج أوروبا، ففي أغاديس بالنيجر ملتقى طرق المهاجرين الغينيين والنيجيريين والماليين والسودانيين فإنّ “الميدان لا يمكن بلوغه” على حدّ عبارة مدير إذاعة كاوسن أُصمان أومارو. فحتى مع بطاقة صحفي فإنّ أبواب مركز المنظمة الدوليّة للهجرة تبقى مغلقة،” رغم أننا نعلم أنّ هنالك الآلاف من المهاجرين الذين يعيشون فيه في ظروف بائسة ولا يجدون حتى ما يسدّ رمقهم”
في ليبيا خوف كبير للصحافيين من التوجه إلى مراكز احتجاز المهاجرين العابرين والتي أصبحت، منذ 2014، تحت سيطرة الميليشيات
وللحصول على التراخيص الضرورية، يتطلّب الأمر تمشيا إداريا طويلا وإذا وصلوا إلى المكان “تكون حقيقة ما يتعرّض إليه المهاجرون قد تمّ تجميلُها” حسب شهادة صحفي ليبي اتصلت به مراسلون بلا حدود فضل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، يقول أنه على الصحافيين “التصوير حسب إخراجٍ مُحدّد بأمر من الميليشيات “وخوفا من الانتقام” يجبر الصحافيون أن يصوروا أو يتوقفوا بأوامر”. ففي جوان 2015 أُجبر على وقف حوار مع مهاجر كان يبكي أثناء وصفه الظروف اللاإنسانية للاحتجاز”. وفي السنة الماضية كان يشاهد عاجزا الحراس يستعملون القوّة لمنع امرأة حامل من الحديث إليه”
غولاغ المحيط الهادئ، الثقوب السوداء للمعلومة
تفرض أستراليا التعتيم على ما يحدث فيما يُعرف بـ “غولاغات المحيط الهادئ” بعد أن أحدثت مراكز احتجاز، خارج أراضيها، على جزر في المحيط الهادئ. ولمنع دخول السّجن الذي وُضع على ذمّة أستراليا من قبل جمهورية ناورو الصغيرة وهي جزيرة واقعة في عرض مياه بابوا-غينيا الجديدة وضعت، هذه الأخيرة، سياسة استثنائية للتأشيرات: تبلغ معاليم طلب التأشيرة 8000 أورو ولا يمكن استرجاعها حتى في حالة الرفض، وهذا هو الحال غالبا، وذلك للحدّ من الاهتمام الإعلامي. كما وجدت حكومة ناورو حلا جذريا يتمثّل في إعاقة استعمال الفايسبوك لقرابة الثلاث السنوات
مازال طالبو اللجوء المحتجزون على هذه الجزيرة، بطلب من استراليا، يتمتعون بولوج محدود ومُكلف للانترنت، وهذا ما مكّن الصحفي بهرون بوشاني، منذ2014 ، من توثيق الحقيقة ومخلفات السياسة الأسترالية للهجرة
ومن المفروض أن وجود الصحافيين على هذه الجزيرة محضور، ولكن استثنائيا كان بهروز بوشاني نفسه لاجئا محتجزا. فمن الداخل كان هذا الصحفي الكردي الايراني ينشر على تويتر وفايسبوك وفي الصحافة الناطقة بالانجليزية العذاب البطيء للاجئين ضحايا نظام سجني سادي، الذين يقع ترهيبهم. وينقل معاناتهم البطيئة
التوثيق من الداخل أمر محفوف بالمخاطر
إدانة الممارسات السيئة من الداخل كالتعذيب والابتزاز الذي يتعرض إليه اللاجؤون في مراكز الاحتجاز والمخيمات التي يتكدسون فيها أمر لا يخلو من مخاطر
في 24 مايو الفارط، تم إيقاف الصحفي السوري أصيل حمص عبد الحافظ الحولاني الذي يعيش منذ 2015 في مخيم عرسال للاجئين، شرق لبنان، وتم اعتقاله ومعاملته بشكل سيء لستة أيام. وعندما اعترف خلال التحقيق أنه مدير مكتب الإعلام لاتحاد السوريين من أجل الدفاع عن السجناء ومراسل موقع “زمان الوصل” وأنه يغطي كل ما يمس باللاجئين السوريين في مخيم عرسال كهجمات القوات اللبنانية واعتقالاتها المُنتظمة” تضاعفت الشتائم. لقد تم إطلاق سراحه في النهاية. وتمّ استدعاؤه، بعد ذلك، في مناسبتين من قبل السلطات اللبنانية. ويعرف عبد الحافظ الحولاني أنه مراقب ويخشى اليوم على حياته
صحافيان من بورما، انزيار او وهكان لات، توقعا النهاية في سبتمبر 2017 بعد أن وقع إيقافهم خلال تغطيتهما لتدفّق مئات آلاف اللاجئين من الروهنغا على حدود بنغلاداش ووقع اتهامُهما من قبل السلطات في بنغلاداش بتهمة “ترويج أخبار زائفة والجوسسة”. وكان الاشتباه فيهما أكبر من الصحافيين البورميين الذين لا تُرخّص لهم دولتهم بعبور الحدود ويصعب عليهم تغطية الانتهاكات التي يتعرض إليها الروهينغا على مسالك اللجوء
وأبعد من انتهاك القانون الدولي الإنساني، الذي تسعى الدول إلى التستر عليه بترهيب الصحافيين، ثمة أيضا خياراتها السياسية التي تمضي في صمت وتسعى، بكل بساطة، إلى إنكارها