“حملة مكافحة المحتوى الهابط” دعاية ترسم مسارا نحو ديكتاتورية جديدة

باحثون وقانونيون يصفونها بالمخالفة للدستور وخطوة أولى للتضييق على حرية التعبير واستهداف المعارضين

بغداد/ شبكة نيريج:

شهد العراق في شباط/فبراير2023 حملة اعتقالات وصدور مجموعة من الأحكام القضائية ضد ناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي بتهمة الإساءة للذوق العام بنشرهم تدوينات أو مقاطع فيديو تضمنت أقوالاً أو إيحاءات “مخلة بالحياء والآداب العامة” وفقاً لوزارة الداخلية ومجلس القضاء الأعلى.

حملة أدانها مئات الباحثين والقانونيين والكتاب والنشطاء، الذين وقعوا على بيان أكدوا فيه ان ما يحصل يخالف الدستور في عدة أوجه، وان القائمين على الحملة ارتكبوا سلسلة مخالفات قانونية واانتهكوا المعاهدات الدولية التي وقع عليها العراق، محذرين من أن ما يحدث هو تكميم للأفواه وعودة للدكتاتورية.

حملت مكافحة المحتوى الهابط التي أثارت ارتياح شريحة واسعة من المتابعين لوسائل التواصل، لتصورهم بانها ستطال وجوه تظهر في المناسبات العامة وتتبجح بأنها فوق القانون، وجوه تحظى بدعم من مسؤولين  وتحصل على شهرتها من خلال تصريحات وتعليقات تتضمن اساءات للآخرين، لكن ما حصل لاحقا أظهر انها تستهدف عشرات من الشباب من صناع المحتوى الهزلي من محدودي الثقافة والذين وجدوا انفسهم متهمين بجرية لم يبلغهم احد سابقا بانها جريمة.

مؤيدوا حملة “محاربة المحتوى الهابط” عبروا عن سعادتهم للملاحقات والإجراءات، باعتبارها وسيلة لوقف “الانحلال والرذيلة” وعلى أمل تنظيف وسائل التواصل الاجتماعي مما يصفونه بـ”التفاهة” وفق التعبيرات التي اطلقها قادة الحملة ومؤيدوها، لكن نشطاء عبروا عن مخاوفهم من أن تتحول الحملة التي تتم وفق مواد قانونية “فضفاضة” كتبت في عهد حكومات دكتاتوية قبل أكثر من نصف قرن، إلى أداة لتقييد حرية التعبير، وتشمل تلك المواد الكثير من التصرفات والأفعال بالتجريم (دون تحديد) وفقاً لقناعة القاضي، ويطالبون بتشريع قوانين جديدة تحدد أفعالاً وأقوالاً بعينها في الأنترنيت على انها جرائم، وإلا فأن استمرار الإجراءات الحالية مؤشر على دخول البلاد لعهد جديد من الدكتاتورية.

مدونون وصانعوا محتوى، أثاروا تساؤلات بشأن كيفية “تمييز المحتوى الهابط عن غيره؟”. يقول المدون (ك. م) ان ما يحصل حملة دعائية بـ”عنوان جميل” لإخفاء مشاكل البلد مع استفحال الأزمات الاجتماعية والثقافية والتربوية نتيجة تخلخل القيم في ظل فساد الحكومات وفشل الاقتصاد، منتقدا ما وصفه بتجاوز السلطتين التنفيذية والقضائية لصلاحياتهما الدستورية، مؤكدا بأن “صناع المحتوى” يمارسون حرياتهم الشخصية ويحققون حضوراً كبيرا يظهره حجم متابعتهم.

والمقصود بصانعي المحتوى، هم الأشخاص الذين يعدون مواداً مكتوبة أو بصرية أو سمعية وينشرونها في وسائط مختلفة بهدف الوصول إلى جمهور عام أو محدد. والمواد تلك متنوعة فقد تكون مجرد أخبار أو تحليلات أو رأي مكتوب أو صوراً، مقاطع فديو، وغير ذلك.

التنوع الكبير هذا، وسعة الأسم (محتوى) هو السبب الذي دفع البعض للتعبير عن قلقهم إزاء استهداف صانعيه بتهمة(الإساءة) أو (التفاهة)ولاسيما في ظل عدم وجود قانون واضح يحدد الجريمة مباشرة ويعرفها بالاسم.

حملة اعتقالات وجملة احكام

أصدرت محكمة جنح الكرخ يوم الأربعاء 8 شباط فبراير عدة أحكام، الأول بالحبس الشديد سنتين ضد(محمد عبد الكريم حسين الباوي) المعروف بلقب(حسن صجمة)، وحكماً ثانياً بالحبس ستة أشهر، ضد(غفران مهدي سوادي)المعروفة باسم(أم فهد).

وحكمين آخرين بالحبس الشديد لسنة واحدة فقط ضد كل من، محمد جرمط سيد، الملقب بـ(سيد علي)، والمدعو أحمد علي حميد شلاش، الملقب بـ (حمودي هيبة)، واستندت هذه الأحكام على المادة 403 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969.وتلتها أحكام أخرى في الأيام اللاحقة.

وتنص المادة (403) من قانون العقوبات على أنه “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تزيد على مائتي دينار او بإحدى هاتين العقوبتين كل من صنع او استورد او صدر او حاز او أحرز او نقل بقصد الاستغلال او التوزيع كتابا او مطبوعات او كتابات اخرى او رسوما او صورا او افلاما او رموزا او غير ذلك من الاشياء إذا كانت مخلة بالحياء او الآداب العامة. ويعاقب بالعقوبة ذاتها كل من أعلن عن شيء من ذلك او عرضه على انظار الجمهور أو باعه أو أجره أو عرضه للبيع أو الايجار ولو في غير علانية. وكل من وزعه او سلمه للتوزيع بأية وسيلة كانت. ويعتبر ظرفا مشددا إذا ارتكبت الجريمة بقصد افساد الاخلاق”.

ويرى الصحفي والحقوقي دلوفان برواري، أن مضمون المادة 403 من قانون العقوبات العراقي التي صيغت قبل عقود، لم يعد متوافقاً مع المجتمع العراقي الحالي، وغير مواكب للتطور التكنلوجي الهائل الذي حدث خصوصاً فيما يتعلق بظهور عالم السوشل ميديا والأنترنيت بنحو عام، والذي بات يتطلب تشريع قوانين خاصة يتضح للعراقيين بموجبه: “الحدود التي ينبغي عليهم عدم تخطيها بما يتوافق مع فكر المجتمع وتقاليده وعاداته”.

ويستدرك برواري: “هذا مع إيماني بأن الحل يكمن وبكل بساطة في أن يضع صانعو المحتوى مكتوباً أم مسموعاً أم مقروءاً، عبارة  +18، أي أن المادة غير مخصصة لغير البالغين”.

ويبرر ذلك بقوله: “النص الحالي يشير إلى أشياء مخلة بالحياء والآداب العامة، وهذا قد لا يعني مفهوماً جمعياً، وقد يفسر أي شخص تصرفاً أو قولاً على أنه مخالف للحياء والآداب العامة التي فهمها هو فيتقدم بشكوى، لذا أعتقد أن على النص أن يبين ماهية تلك الأفعال والاقوال التي تعد مخلة، وهذا قطعاً مستحيل”.

مجلس القضاء الأعلى كان قد وجه تعميماً في 8شباط/فبراير2023 حمل الرقم 204 إلى رئاسة الادعاء العام وهيئة الإشراف القضائي ورئاسة محاكم الاستئناف كافة أشار فيه إلى أنه قد لوحظ عبر”الرصد الإعلامي إستخدام مواقع التواصل الاجتماعي لنشر محتويات تسيء للذوق العام،  وتشكل ممارسات غير أخلاقية إضافة إلى الإساءة المتعمدة وبما يخالف القانون للمواطنين ومؤسسات الدولة بمختلف العناوين والمسميات”.

ودعا تعميم مجلس القضاء إلى اتخاذ الإجراءات القانونية المشددة بحق من “يرتكب تلك الجرائم وبما يضمن تحقق الردع العام”.

وفي ضوء هذا التعميم، صدرت أوامر قبض وأحكام قضائية بتكييفات مختلفة لـعبارتي “الإساءة للذوق العام + الإساءة المتعمدة”التي وردت في التعميم، إذ صدر حكم قضائي بحق البلوغر(سجى أحمد)بالحبس أربعة أشهر بتهمة الإساءة لشريحة المحامين. وإصدار محكمة تحقيق الكرخ أمر قبض وتحرٍ بحق مغنٍ يدعى منتظر عباس عيسى الملقب بـ مرتضى العبودي.

والشق الأخير من تعميم مجلس القضاء” الإساءة المتعمدة وبما يخالف القانون للمواطنين ومؤسسات الدولة بمختلف العناوين والمسميات” أثار حفيظة الكثيرين من الناشطين والمتابعين لقضايا الفساد والمحاصصة التي يقولون بأن كل مفاصلة الدولة تشكو منها، وعدوها محاولة من السلطة لإسكاتهم وترهيبهم.

وزارة الداخلية شكلت في 16كانون الثاني2023 لجنة لمتابعة صانعي المحتوى، وقالت في بيان صدر عنها بأن الهدف من اللجنة: “متابعة المحتويات في مواقع التواصل ومعالجة الهابط منها وتقديم صانعيها للعدالة” , وأن القضاء دعم مقترحات الأجهزة الأمنية بشأن ذلك وأضاف البيان “اللجنة باشرت عملها وحققت عملاً في الوصول إلى صنَّاع المحتوى الهابط والقبض عليهم”.

كما أطلقت وزارة الداخلية عبر موقعها الإلكتروني منصة أسمها(بلغ) بهامش جانبي قالت فيه أن المنصة مخصصة “للإبلاغ عن المحتويات المنشورة في وسائل التواصل الاجتماعي وتتضمن إساءة للذوق العام وتحمل رسائل سلبية تخدش الحياء وتزعزع الاستقرار المجتمعي”.

والقت الشرطة القبض على العديد من صانعي المحتوى بعد تبليغات وشكاوى قدمها مواطنون بحقهم، فقد صادقت محكمة تحقيق العمارة أقوال متهمين بصناعة محتوى سيء وهم كل من (عباس حسن البهادلي الملقب عبود سكيبه وحسن علي الشمري الملقب، مديحه. وسجاد قاسم زين الملقب، عطيه. ومحمد لعيبي لفته الملقب، البشوش).

وفي الموصل، اعتقلت الشرطة التيكتوكر(خالد النعيمي)وأبنه(حمزة حباتي)، كما تداول ناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي قائمة بأسماء نحو 30 شخصاً على أنها لصانعي محتوى هابط، نتحفظ عن إيرادها في تقريرنا هذا لكون أن العديد من هذه الأسماء لم تتهم قضائياً وإيرادها يعني تشهيراً بها.

ومع اشتداد حملة ملاحقة واعتقال بعض صانعي المحتوى، أطلق ناشطون ومدونون على مواقع التواصل يطلقون هاشتاك”الحرية لعبود سكيبة” وذلك بعد أيام قليلة من اعتقاله، ويرى الناشطون بأن ما يقدمه من محتوى  “طبيعي وبسيط وغير هابط وليس فيه إساءة” وفقاً لما ذكروه.

وقالوا بأنه عامل بناء، يصنع محتوى باللغة الأنكليزية ولديه لكنة أمريكية اشتهر من خلالها، وأرفقوا بمنشوراتهم المساندة له مقاطع فديو له للتأكيد على عدم صناعته محتوى هابطاً.

مخالفة دستورية

وأصدر حقوقيين وباحثون وصحفيون ونشطاء مدنيون وممثلو منظمات مجتمع مدني، بياناً حمل عنوان “حملة ملاحقة المحتوى الهابط، انتهاك دستوري وإساءة للنظام الديمقراطي”، عدوا فيه اعتقال الأفراد أثر نشرهم محتوى في السوشيل ميديا، سلوكا مخالفا للدستور والقوانين والمعاهدات الدولية التي صادق عليها العراق بعد 2003.

الموقعون على البيان الذين تجاوز عددهم 650 شخصا، أكدوا أهمية معالجة المحتوى المسيء عبر إصلاح قطاعات التربية والتعليم والثقافة، والتمكين الاجتماعي لصناعة المحتوى الهادف، والتنبيه إلى تأثيراته السلبية في إطار ما ينشره من قيم خاطئة وأخبار مضللة وتحريض فاضح، لكنهم شددوا في الوقت عينه بأن الاعتقالات والأحكام الأولية الصادرة “مخالفة للدستور والقوانين والمعاهدات الدولية التي وقع عليها العراق، ولا تعتمد على سند قانوني واضح، في ظل عدم وجود نص صريح يجرم الحالة، خاصة وأن تهم “الإساءة للذوق العام” و”الآداب والأخلاق العامة” غير محددة التوصيف قانونيا، ويمكن التوسع فيها لتشمل أي تصرف أو قول أو حتى إيحاء، ما قد يحمل في طياته تهديداً لكل من لديه رأي يخالف توجه السلطات”.

البيان ذكر ان الحملة والإجراءات المتبعة “تحمل مخالفة للمعايير الدولية لحرية التعبير” التي نصت عليها العهود والمواثيق الدولية، والحملة تخالف المادة 38 من الدستور العراقي التي كفلت حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، ما لم يتضمن التشهير أو الإساءة أو التهديد، مقابل الانجرار وراء قوانين موروثة من زمن النظام الشمولي قبل ٢٠٠٣.

واشار البيان الى حصول انتهاكات خطيرة في إجراءات الاعتقال والقبض، كونها صدرت بموجب تعليمات صدرت عن وزارة الداخلية، دون وجود أوامر قضائية مسبقة مبنية على اتهامات قانونية محددة. وذكر: “ولا تنطبق أحكام نص المادة 403 التي تمت بموجبها المحاكمات على الكثير من الحالات، كون المادة لم تنص على معاقبة “المحتوى الهابط”، وبذلك مخالفة لمبدأ: “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص”.

وانتقد البيان تغافل السلطات على صفحات وأسماء ومنصات عرفت بالتحريض على القتل والطائفية والتشهير والعنف، وبقيت بعيدة عن كل أنواع المساءلة، لاسيما وأنها ذاتها شاركت في تأييد الملاحقات القضائية، الأمر الذي يثير القلق من كونها حملات ذات دافع سياسي.

وعبر الموقعون عن قلقهم من أن تؤدي الملاحقات غير المستندة لجريمة واضحة، إلى تحريف السلطة القضائية عن المسار الدستوري المرسوم لها، وقد تتحول الملاحقات إلى ملفات ترفع بدوافع سياسية وكيدية، طالما أنها تتم وفق عبارات مطاطية، لتطال كتابا وصحفيين وناشطين على وسائل التواصل، ما يعني دخولنا في مسار سلطوي يكبح حرية الرأي والتعبير بأشكالها المختلفة، ويضيق مساحة عمل مؤسسات المجتمع المدني التي تمثل ذراعا أساسيا في حماية الممارسة الديمقراطية التي اكتسبها العراق بعد 2003 .

وحذر البيان من دخول العراق في  ممارسات دكتاتورية جديدة هادفة الى محاربة حرية  الصحافة والرأي والتعبير وتضيق مساحة عمل مؤسسات المجتمع المدني المتمثل بالمنظمات والجمعيات ووسائل الاعلام.

كما أصدرت منظمة تطلق على نفسها أسم (انهاء الإفلات من العقاب في العراق) بياناً في 9شباط/فبراير2023، استنكرت فيه ما وصفته بالحملة الممنهجة لتقييد حرية التعبير تحت ذريعة- المحتوى الهابط-التي تقودها أحزاب السلطة، على حد تعبير البيان.

وأشار البيان على أن مفهوم المحتوى الهابط “من المفاهيم المطاطية غير الموصوفة بأركانها في القانون ويمكن استخدامها لتجريم أي فعل لا ينسجم ومصلحة القابضين على السلطة، بما يخل بمبدأ مشروعية الجرائم والعقوبات التي نصت عليها المادة الأولى من قانون االعقوبات النافذ”.

وبناءً على ذلك طالب البيان أن يتم تحديد المادة على أنها “هابطة”بموجب القانون وأن “لايترك تحديده على اهواء القضاة، مما يخل بمبدأ مساواة العراقيين امام القانون الذي تبنته المادة 14 من الدستور” .

ووصف البيان حملة(المحتوى الهابط)بالحملة السياسية يدعمها رئيس مجلس القضاء الأعلى وانها خطوة كبيرة لتكميم الأفواه بهدف حماية أشخاص ومؤسسات الدولة بمختلف العناوين والمسميات.

مؤيدون ومعارضون

يرى الناشط في وسائل التواصل الاجتماعي خلدون مكي، بأن الإجراءات المتخذة ضد متسببي “الانحطاط في السوشل ميديا” على حد وصفه، ستحمي الأطفال “من الانحراف الفكري، وتحسن صورة العراق أمام دول العالم بسبب ما ينشره هؤلاء من تشوهات”.

لكنه يحذر من أن تكون مجرد ردة فعل مؤقتة وتقتصر على “عدد محدود ومن ثم يتم التغاضي عن البقية المنتشرين في عموم مناطق العراق إضافة إلى خارج البلاد”.  وطالب بقانون واضح يجرم كل من “يسيء للعائلة العراقية ويغسل أدمغة الصغار، فخطرهم أكبر بكثير من خطر الإرهاب”.

ودافع المحلل السياسي حيدر الموسوي عن حملة وزارة الداخلية والقضاء العراقي، وقال بأنها ليست تضييقاً للحريات بل: “لإنهاء الاستهتار والتفاهة والسطحية لأسماء كانت مغمورة وصدرت نفسها بعناوين مشاهير السوشل ميديا بغية تعليم الأجيال الجديدة بأن كل شيء مباح ويجب ضرب القيم والعادات والتقاليد و الأخلاق”.

أما د. حيدر العجرش، فيعتقد بأن “حملة مواجهة المحتوى الهابط تأخرت كثيراً”. وقال في منشور له على حسابه الخاص في فيسبوك بأن “تقليد المحتوى الهابط اصبح سلوكاً لدى من يتفاعل معه، لا يمكن أن يعدل بسهولة لان أحد عناصر تشكيل السلوك الانساني هو التفاعل مع الآخرين والكثير تفاعل مع المحتوى الهابط، فبالتالي لا يمكن أن يتعدل سلوك تشكل بفعل تقليد”.

وبناءً على توصيفه هذا، يجد العجرش بأن العقوبة الرادعة يمكن أن تمنع نشر محتوى هابطاً، لكن “لا يمكن  لها أن تعالج تداعياته التي ساهمت بقصد في أفساد أخلاق من يتفاعل معه”.

ودعا إلى إصدار (لائحة المحافظة على الذوق العام) التي سبق وأن صدرت في بعض دول الخليج العربي، بهدف ضمان مواجهة مستقبلية عملية للمحتوى الهابط، حسبما قال.

وتجاوز عدد البلاغات التي وصلت وزارة الداخلية عن ما يسمى “بالمحتوى الهابط” وفق الناطق باسم وزارة الداخلية اللواء خالد المحنا، أكثر من 95 ألف بلاغ، وهذا الرقم الصادم يؤشر الى ما يمكن وصفه بعودة المخبر السري والقضايا الكيدية، التي يقدمها مواطنون يختلفون لسبب ما مع آخرين، ليعرضهم للتحقيق في جريمة يصعب التثبت منها في ظل عدم وجود قانون محدد.

مقابل هذه الآراء المساندة لتحركات وزارة الداخلية والقصاء، يرفض كتاب وباحثون ذلك التوجه، ويبدي د. محمد شوكت فيصل، الباحث في مجال التاريخ، استغرابه من “تولي حكومة تقدم نفسها على أنها ديمقراطية، بحملة اعتقالات ضد مواطنين يتم التشهير بهم ونشر صورهم وهم معتقلون حتى قبل عرضهم على القضاء”.

ويشكك فيصل بجدوى الحملة القائمة وشبهها بحملة إغلاق المراقص الليلية ومحلات بيع الخمور، وتساءل: “ماذا حدث بعد ذلك؟ لاشيء، المراقص الليلية في تزايد وبيوت الدعارة منتشرة في كل مكان، وصانعو المحتوى السيء سيتكاثرون بل وسيتمادون أكثر، مادام الحجة المقدم كذريعة للحملة غامضة وتحمل تفسيرات مختلفة”.

ويرى الكاتب والصحفي فلاح المشعل أن ليس فقط من يعرفون بـ البلوكَر أو الفانشستا، يقدمون محتويات هابطة بل هناك:” برامج سياسية عديدة تضيّف شخصيات بلا أخلاق وتتلفظ بكلمات بذيئة تسيء للذوق العام وللآخرين، كائن رديء ومأزوم يلوك يوميا بالشحن الطائفي، وسياسي بحوزته الحكومة والسلاح يجاهر بالكذب والنفاق، روزخونية كلامهم يلتصق بالخرافة والجهل المضحك، نماذج عديدة تبث محتوى هابط وقاتل للمجتمع”.

الأكاديمي والباحث الاجتماعي د. وعد هاني الجبوري، يقول بأن ما يسمى المحتوى الهابط هو “نتاج مجتمع، وثقافة سائدة، يمكنك ان ترصدها في الشارع ومؤسسات الدولة ومنها التربية والتعليم ووسائل الإعلام بمختلف صنوفها”.

وتأسيساً على ذلك، يعتقد د.وعد بأن الأمر منوط بالأسرة العراقية ذاتها لأن”المحتوى الهابط هو شرخ في المجتمع، لايمكن إصلاحه من خلال فرض العقوبات، بل بالتوجيه والنصح أولاً وبعد ذلك بسن القوانين الرادعة”.

ثم يقول بشيء من السخرية:”هذا ليس كاعتقال شخص مفطر في رمضان والزج به في السجن!”.

الأديب والكاتب والناشط المعروف في الحراك المدني فارس حرام، قال بأن “تدخل وزارة الداخلية لمكافحة ما يسمى بـالمحتوى الهابط أمر غير مؤسسي ولا دستوري وبلا سند قانوني”. ولفت إلى أن الظاهرة أصلها ثقافي، وينبغي مكافحتها عبر “انقاذ قطاعي التربية والتعليم من الانهيار، وليس بعمل بوليسي سيختلط من دون شك بالقمع والانتقاء.” حسب تعبيره.

وتابع يقول:” كلّ يوم نسمع في الأسواق والشوارع عبارات نابية من شباب وكهول وشيوخ، رجال ونساء، ولم يتم حبس أحد إلا إذا لفظها ضدّ شخص آخر قام هو بتقديم شكوى. أما نشر المحتوى التافه فكل شخص مسؤول عن نفسه وكرامته”.

ولمواجهة المحتوى الهابط، يقترح حرام:”نشر الوعي بخطورة التفاهة حين تغزو حياتنا، لكن مع التذكر أن فكرة المجتمع الفاضل، مستحيلة التحقيق، وإذا كان من دفاع عن فضيلة ما فتلك هي مسؤولية المجتمع بوسائله السلمية وصراع الأجيال وقدرات الإقناع، يعني قضية ثقافية تماماً، لا صلة للشرطة بها.

ويستغرب من مطالبات البعض برفع مستوى المحتوى المقدم في وسائل التواصل الاجتماعية العراقية، مشيراً إلى احصائيات لوزارة التخطيط تتحدث عن ٥٧٪ من الملتحقين بالمدارس تركوها قبل وصولهم للمتوسطة، وأوضح:”يعني أكثر من نص المتعلمين في العراق مستواهم الفكري واصل للابتدائيّة، فماذا ننتظر أن يقدموه لنا من محتوى؟ فديوهات عن الطاقة مثلا؟”.

ووجه كلامه للساسة العراقيين “هذا زرعكم، وإذا أردتم التغيير فعلاً فأبدأوا من التعليم الذي خربته سياساتكم وصراعاتك”.

ويحذر المهندس المتخصص بالبرمجيات معاذ قاسم من تعميم صفة صانع محتوى على جميع رافعي المواد على الأنترنيت، ويقول “ليس أي شخص ينشر شيئاً على الانترنت، والأمر أبعد من نشر مقطع فديو في انستغرام أو تيكتوك أو نشر صورة أو كتابة منشور في فيسبوك”.

لذلك فهو يشترط الإتقان مع قدرات على التحليل والتنوع والترابط ووجود هدف، وهذا لا ينطبق حسب رأيه على العديد من الذين تم اعتقالهم لأنهم وفقاً لقناعته ليسوا صانعي محتوى، وبذلك فأن:”التهمة تلك هي بمثابة تشهير وتقليل على نطاق المجتمع من قيمة المحتويات التي يقدمها محترفون أو ما يصح ان نطلق عليهم بصانعي المحتوى”.

وتماشياَ مع رأي المهندس معاذ، يجد المحامي محمد يونس خليل، ضرورة توجه مجلس النواب بوصفه سلطة تشريعية إلى تشريع قانون خاص بالمنتج الرقمي او ما يتعلق بالنشر في وسائل التواصل الاجتماعي تحديداً وليس بذكر عبارة “النشر” فقط والتي قد تشمل كل شيء يتم تدوينه وبثه وهو ما يتنافى مع مبدأ العدالة وفقاً لما يرى.

وهو يعني :”أن يتم تعريف المقصود بصناعة أو صانعي المحتوى، وكذلك ما المقصود بالمحتوى الهابط  والأسباب الموجبة، حتى يكون المجتمع على دراية بذلك، فليس من المعقول اعتقال أي شخص والزج به في السجن لأنه قال شيئاً في الأنترنيت”.

  • أنجز التقرير بإشراف شبكة نيريج للتحقيقات الإستقصائية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *