أصدرت شبكة تضم عشرات المحامين العراقيين، مذكرة احتجاج على حالات التضييق التي تطال حرية التعبير والنشر في العراق، متهمين أعلى سلطة قضائية في البلاد بارتكاب “مخالفات قانونية ودستورية” تتعلق بمذكرات إلقاء قبض على إعلاميين ومواطنين عراقيين.
واتهمت “شبكة المحامين المتطوعين للدفاع عن حرية التعبير” السلطتين التنفيذية والقضائية بـ”إصدار أوامر اعتقال ومنع وفصل بحق إعلاميين ومواطنين عراقيين”، مشيرة إلى أن هذه الأوامر “تصادر حرية التعبير” التي كفلها الدستور العراقي ومواثيق حقوق الإنسان الدولية.
وفي بيان نشرته على صفحتها في فيسبوك، دانت الشبكة التي تضم 130 محاميا، أي انتهاك لمبدأ سيادة القانون، ورفضت التعامل مع قضايا الاختلاف في الرأي خارج الأطر القانونية، وفق ما جاء في البيان.
وقال المنسق العام لـ”الشبكة”، دلوفان برواري، في تصريحات صحفية، إن مذكرة الاحتجاج تأتي ردا على “انتهاكات حرية الصحافة من جانب المجلس الأعلى للقضاء وهيئة الإعلام والاتصالات العراقية”.
وأوضح برواري أن ما أثير بشأن برنامج “المحايد” الذي يقدمه الصحفي سعدون محسن ضمد، والذي تم ايقاف بثه بعد اتهام مقدمه وضيوفه بالتطرف واستهداف القضاء، يعتبر نقطة تحول هامة في ما يتعلق بالحريات في العراق، وكشفت عن حجم التراجع في حرية التعبير وحرية الصحافة وعن فشل قنوات ومنصات شبكة الاعلام العراقي الممولة من المال العام في الاحتفاظ باستقلالية عملها، وعن وجود قوى نافذة في السلطات المختلفة تريد فرض مزيد من القيود على حرية التعبير والصحافة وبالتالي اعادة أجواء ما قبل نيسان 2003.
موقف مجلس القضاء
وكانت السلطة القضائية اتهمت الإعلامي سرمد الطائي، بـ”الإساءة للقضاء” بعد تصريحات هاجم فيها مسؤولين ايرانيين وعراقيين بما فيه رئيس مجلس القضاء، خلال استضافته في برنامج المحايد الذي يبث على قناة العراقية. وأثارت المداخلة ردود فعل سياسية غاضبة من قبل أطرف توصف بأنها مقربة من ايران، وأدت إلى صدور مذكرة إلقاء قبض بحق الطائي، فيما انتشرت تصريحات وتغريدات على صفحات التواصل الاجتماعي حرضت الجماعات المسلحة على استهداف مقدم البرنامج وضيوفه.
وذكّر مجلس القضاء “المتورطين بهذه الجريمة” بإجراءات “تستند إلى قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969″، بحسب ما جاء في الـ”توضيح” الذي أصدره مركزه الإعلامي.
وفي كتاب وجهه لقناة العراقية، انتقد رئيس مجلس القضاء الأعلى، فائق زيدان، مقدم برنامج “المحايد” بشدة، واتهمه وضيوف البرنامج بـ”الإساءة” للقضاء.
واعترضت شبكة المحامين، على “لجوء مجلس القضاء الأعلى”، وهو أعلى سلطة قضائية في البلاد، “إلى طرق غير قانونية في التعامل مع قضايا الصحافة وحرية التعبير”.
وقالت الشبكة إن المجلس ارتكب مخالفات تجسدت بـ”كيل التهم الجزافية غير المثبتة بالطرق القانونية”، وتوجيه اتهامات من دون “إجراء تحقيق أصولي وشفاف”.
وأكد المنسق العام لـ”شبكة المحامين المتطوعين للدفاع عن حرية التعبير أن “قضية الطائي “ليست قضية فردية”، إذ أصدرت جهات قضائية ثلاث مذكرات توقيف بحق إعلاميين في أسبوع واحد، مشيرا الى ان تراجع الحريات يهدد بمزيد من الانغلاق في واقع المجتمع المدني في العراق نتيجة التضييق.
ونبه دلوفان برواري إلى خطورة استمرار انتهاك حرية التعبير، مبينا أن جزءا من السلطة القضائية أصبح وبحكم المحاصصة السياسية “خاضعاً لأصحاب النفوذ والجماعات المسلحة، وأصبح أداة سياسية للتضييق على الحريات”.
وفي وقت سابق أعلن مجلس القضاء الأعلى استدعاء إعلاميين ومحامين، اتهمهم بـ”إشاعة الأكاذيب وتحوير المفاهيم الدستورية والقانونية بشكل مقصود”، والعمل “عبر صفحات التواصل الاجتماعي وقنوات يوتيوب غير مسجلة رسميا، لها ارتباطات في داخل العراق وخارجه”.
وفي سياق متصل نقل موقع (الحرة) ان لجنة حماية الصحفيين (CPJ) في نيويورك دعت “السلطات العراقية إلى التوقف عن مضايقاتها القانونية للصحفيين، سرمد الطائي وسعدون ضمد، وضمان قدرتهما على ممارسة العمل بحرية وأمان”.
وقال منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في اللجنة، شريف منصور، “على السلطات العراقية الكف فورا عن مضايقتها للصحفييْن سرمد الطائي وسعدون ضمد. يجب ألا يواجه الصحفيون الاعتقال والتهم الجنائية المحتملة بسبب تعليقاتهم السياسية”، وتابع “بدلا من تهديد الصحفيين بالاحتجاز، على السلطات العراقية العمل على حماية الصحفيين من التهديدات والترهيب”.
وخلال حملة لوقف تهديد حرية التعبير وقع أكثر من 2000 من المثقفين والناشطين المدنيين والكتاب الأكاديميين العراقيين، في الثالث من يونيو، بيانا استنكروا فيه انخفاض سقف الحريات المدنية في العراق، لافتين إلى تزايد أوامر الاعتقال الصادرة بحق ناشطين وأدباء وإعلاميين وأصحاب رأي.
وأشاروا في البيان الذي حمل عنوان “دفاعا عن حرية التعبير” إلى “انتهاكات” طالت مجال الحريات المدنية، بالاستناد “إلى قوانين سُنّت في زمن النظام الشمولي السابق”.
وحل العراق في المرتبة 163 من بين 180 بلدا في مؤشر حرية الصحافة لعام 2022، وفقا لمنظمة “مراسلون بلا حدود”، ومقرها باريس.
حملات تحريض والسلطات تتفرج
من جانبه دعا مرصد الحريات الصحفية “JFO”في العراق إلى إلغاء قوانين الحقبة الشمولية وإيقاف استخدامها في ملاحقة الصحفيين.
وذكر المرصد في بيان، انه “تابع قضية إصدار أمر قبض بحق الصحفي الزميل سرمد الطائي وفق المادة 226 من قانون العقوبات 111 لسنة 1969، إضافةً إلى إيقاف برنامج الصحفي الزميل سعدون محسن ضمد، إثر تصريحات الطائي ضمن برنامج ضمد”.
وأضاف بيان المرصد، “نرفض أولاً تهديد السلامة الشخصية للزملاء المستهدفين بحملات التحريض ويهيب بالسلطات الأمنية الاتحادية والمحلية القيام بدورها في ملاحقة مصادر التحريض، وتأمين الحماية الكاملة للصحفيين، لاسيما الزميلين الطائي وضمد وكادر إعداد برنامج المحايد”.
وتنص المادة 226 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 على أن “يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو بالحبس أو الغرامة من أهان بإحدى طرق العلانية مجلس الأمة أو الحكومة أو المحاكم أو القوات المسلحة أو غير ذلك من الهيئات النظامية أو السلطات العامة أو المصالح أو الدوائر الرسمية أو شبه الرسمية”.
وتابع البيان أنه “منذ أن بدأ مرصد الحريات الصحفية JFO عمله في الدفاع عن حرية الصحفيين في التعبير والعمل كان قد سلط الضوء بشكل كبير على المواد القانونية التي تشكل عائقاً كبيراً لعمل الصحفيين وكان مستمراً في رفع مطالباته بالعمل على إلغاء هكذا مواد قانونية تتعارض مع نهج الدولة الديمقراطي”.
وأشار البيان إلى أنه “في العام 2009، خاطب مرصد الحريات الصحفية JFO رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بشأن عدد من القضايا التي تضر بحرية الصحافة في العراق. حيث اقترح مرصد الحريات الصحفية JFO بالتعاون مع لجنة حماية الصحفيين، تعليق العمل بمجموعة من المواد القانونية أو تعديلها، وذلك عبر رسالة وقعها جويل سايمون المدير التنفيذي للجنة حماية الصحفيين CPJ، وزياد العجيلي مدير مرصد الحريات الصحفية JFO”.
وتعمل المواد القانونية التالية: 81، 82، 83، 84، 201، 202، 210، 211، 215، 225، 226، 227، 403، 433، 434 من القانون رقم 111/ 1969، والمتعارف عليه باسم قانون العقوبات، على تجريم المخالفات المتعلقة بالصحافة وتفرض عقوبات صارمة عليها.
ولفت البيان الى ان “سلطة الائتلاف المؤقتة كانت قد أوقفت العمل بالعديد من تلك المواد المانعة لحرية التعبير والتجمع عام 2003، إلا أن حكومة إياد علاوي والحكومات التالية، أعادت العمل بتلك القوانين واستخدامها”.
سلسلة ملاحقات
وأوضح البيان انه خلال الفترة الماضية “صدرت عدة مذكرات قبض أو استقدام أو أحكام ضد العاملين في الصحافة أو ممن يظهرون على وسائل الإعلام، كالحكم بالحبس المشدد لمدة عام بحق القاضي المتقاعد رحيم العكيلي وحجز أمواله، بتاريخ 9 حزيران 2021 بتهمة (جريمة) إهانة الحكومة العراقية من خلال وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي عام 2019، وفقاً للمادة القانونية المشار لها مسبقاً”.
وبين المرصد ان “المحلل السياسي إبراهيم الصميدعي قال في ظهور متلفز (7حزيران 2022) إن اعتقاله -في آذار 2021-تم بناء على شكوى من رئيس مجلس القضاء فائق زيدان وفق المادة 226”.
وأشار إلى أن “القضاء العراقي أصدر بتاريخ 7 نيسان 2022، مذكرتي قبض وتحر بحق مقدم البرامج أحمد ملا طلال والفنان إياد الطائي على خلفية مشهد تمثيلي تم بثه من خلال البرنامج الذي يقدمه ملا طلال، والذي تضمن انتقاداً لفساد المنظومة العسكرية، وهو ما اعتبرته وزارة الدفاع إساءة للقيادات العسكرية، فضلاً عن صدور مذكرة قبض بحق مقدم برنامج بوضوح على شاشة تلفزيون زاكروس، محمد جبار بتاريخ 15 تشرين الثاني 2021، وفق المادة ذاتها”.
وتابع انه “في شهر أيار من العام الحالي، صدر أمر استقدام بحق مقدم برنامج الناس والوطن مصطفى الربيعي وفق المادة 434 بعد رفع دعوى قضائية من قبل رئيس تحالف الفتح هادي العامري ضد الربيعي إثر عرض حلقة من برنامج الربيعي، ظهر فيها مواطن يشكو من العامري”.
وأعرب مرصد الحريات الصحفية JFO عن “قلقه حيال الوضع القانوني في العراق بالنسبة لحرية التعبير التي كفلها الدستور العراقي وفق المادة 38، خاصة بعد ثبوت العديد من الحالات التي تعرض خلالها العديد من العاملين في الصحافة وأصحاب الرأي للتضييق”.
وتنص المادة 38 من الدستور العراقي الدائم والمصادق عليه في 2005 على أنه يكفل “حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل”، بما في ذلك “حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر”، “بما لا يخل بالنظام العام والآداب”.
“نقابة الصحفيين” تتبرأ من الصحفيين
وعبّر مرصد الحريات الصحفية عن استغرابه من “موقف نقابة الصحفيين العراقيين الوارد في بيانها الأخير ومواقفها السابقة إزاء حالات مماثلة سابقاً، والذي يتعارض مع قانون حقوق الصحفيين لسنة 2011، الذي ينص في المادة العاشرة على أنه “يجب على المحكمة إخبار نقابة الصحفيين أو المؤسسة التي يعمل بها الصحفي عن أي شكوى ضده مرتبطة بممارسة عمله”، وهو ما يشير إلى أن النقابة تعمل عمل الداعم للصحفين وليس التبرؤ منهم”.
وأضاف أن “هذا ما ينطبق على قرار هيئة أمناء شبكة الإعلام العراقي بإيقاف برنامج “المحايد”، حيث تنص المادة ١٤ على أنه (لا يجوز فصل الصحفي تعسفياً وبخلافه يستطيع المطالبة بالتعويض وفق أحكام قانون العمل النافذ)”.
وعبر مرصد الحريات الصحفية “JFO” عن أسفه لـ”دخول القضاء إلى منطقة خصومة مع صحفيين، عبر الحديث والتلميح عن “شبكة إعلاميين بارتباطات خارجية” في تكرار لمحتوى تحريضي دأبت مؤسسات حزبية معروفة على إطلاقه، إضافة إلى إصدار أحكام مسبقة ضد صحفيين، ووصفهم وتقييمهم”.
وأكد المرصد أن “إعلان الخصومة من أعلى سلطة قضائية ضد صحفيين ووصفهم -كما في بيان مجلس القضاء- بالشبكة هو أمر غير مفهوم، كما أنه يضع الصحفيين الذين تعرضوا لهذا الاتهام، في موضع الحيرة، لجهة تلقيهم اتهاماً من الجهة التي ينبغي أن يتخاصموا عندها فيما لو تلقوا اتهاماً من أطراف أخرى”.
وأشاد مرصد الحريات الصحفية “JFO” بـ “متابعة بعض النواب المستقلين واهتمامهم بقضايا حرية التعبير في العراق، سيما النائب سجاد سالم، الذي ناقش مدى قانونية إصدار بيانات قضائية استباقية ضد صحفيين”.
وطالب مرصد الحريات الصحفية “JFO” البرلمانيين المستقلين والفائزين من الكتل الناشئة وكل القوى التي تعلن معارضة سياسات النظام السابق ودعم حرية التعبير إلى “إطلاق حراك قانوني سريع لتعديل قوانين الحقبة الشمولية، كما يدعو جميع السلطات العراقية إلى تعليق استخدام قوانين الحقبة الشمولية في ملاحقة الصحفيين ريثما يتم البت في أمر تعديلها أو إلغائها”.