الصحفي الذي يحمل نعشه والقاتل الذي يهابه الجميع
دلوفان برواري وفريق نينوى الاستقصائي
قاومتهم بكل قوتها وهم يلكمونها بأقدامهم ويضربونها بأطراف أسلحتهم، محاولين إجبارها على ركوب السيارة، فيما كانت والدتها تحاول التشبث بها وسحبها بعيدا عنهم وهي تصرخ مستغيثة بالجيران لإنقاذها، لكن الجميع أغلقوا أبوابهم “الأمر لايعنينا”. كان الخوف يعم المدينة التي استسلمت لهم تماما بعد سنوات ليحكموها بالنار والترهيب ويحولوها الى مسلخ كبير.
وقع ذلك في الرابع من أيار 2008 وسط مدينة الموصل شمالي العراق، لتلتحق الصحفية الشابة “سروة عبد الوهاب” بـ “قافلة” الصحفيين المقتولين في نينوى والتي تضم نحو 80 اسما قيدت أغلبية جرائم قتلهم وخطفهم ضد مجهولين، وبقيت ملفاتهم مركونة حتى بعد أن استردت المدينة حريتها في العام 2017 وخرجت من قبضة الجماعات التكفيرية.
تقول الأم المكلومة مستذكرةً، وهي تمد ذراعيها وكأنها تطوقان شبح ابنتها القتيلة: “قاومناهم لأكثر من ربع ساعة لكن أحدا لم ينجدنا… في النهاية لم يتمكنوا من دفعها داخل السيارة، فأطلقوا وابلا من النار عليها فسقطت بين يدي .. تركتني وتركت هذا العالم الموحش لتخلف نارا في روحي لن تنطفئ الى آخر يوم في عمري”.
تتذكر أم سروة ذلك اليوم جيدا، كان الصيف قد اقبل بينما عززت الجماعات المسلحة وجودها حتى صارت هي الحاكمة الفعلية للمدينة، وكانت بياناتها التي تتضمن قراراتها وتعليماتها تُنشر في الأسواق والمساجد وحتى بعض الدوائر الحكومية.
بعضها تضمن تكفير فئات من المجتمع وأخرى تهديدات بقتل منتسبي الأجهزة الأمنية وكبار الموظفين العاملين في الحكومة، الى جانب العاملين مع المؤسسات الدولية، فيما بقيت الشرطة والأجهزة الأمنية تتفرج وأحيانا ينسق أفراد فيها مع القتلة. بحسب رواياتٍ لذوي الضحايا.
بين الذين طالهم نار التكفير أو الاتهام بالعمالة في نينوى كان الصحفيون والكتاب الذين حاولوا تأدية عملهم بنقل الحقائق في جو مشحون بالاستقطاب الطائفي والاتهامات السياسية، فطالت عمليات القتل العشرات منهم، وانتهت الجرائم بتعليقها ضد مجهولين.
صراع مع القتلة
“ثلاثَ عشرة سنة مرت.. لكنني أتذكر كل شيء.. كأن الواقعة حدثت يوم أمس” تقول أم سروة بينما اصطبغ وجهها بحمرة داكنة أخفتها بكفي يديها وهي تغمض عينيها فيما كان جسدها يتمايل وكأنها تعيش تفاصيل الجريمة مرة أخرى، قبل أن تقول وهي تتنهد “كنت أصرخ مستنجدة بالجيران، لكن أحدا لم يتحرك رغم إننا نسكن الحي منذ عشرات السنوات ويعرفنا الجميع”.
تواصل بصوت تخنقه العبرات “في ذاك اليوم قررت أن أرافقها عندما أرادت الخروج.. كنت خائفة عليها بعد أن طرق شخص غريب قبلها بيومين بابنا. قال انه من الشرطة وان أشخاصا في سيارة بيضاء يراقبون منزلنا.. لم أكن اعرف بأنه اليوم الأخير في حياتها واني سأشهد مقتلها بعيني”.
يومها خرجت الأم مع ابنتها التي وضعها “المجاهدون” في قوائم “التصفية” من منزلهما بحي البكر في الساحل الأيسر للموصل، قطعتا الزقاق الى نهايته قرب الشارع العام، هناك كان شخصان ينتظران في سيارة بيضاء، أحدهما كان يحمل مسدسا. في اللحظة التي لمحا فيها الفتاة ترجلا سريعا وهاجماها محاولين إجبارها على ركوب السيارة.
تعالت أصوات أم سروة مترجية، وهي تحاول إنقاذ ابنتها من بين أيديهم، وهما يهددان بجمل قصيرة أطلاقها بلكنة سكان جنوبي الموصل، بقتلها إن لم تركب السيارة.
“لن أنسى ملامحهما أبداً” تقول “الأول متوسط الطول بدا في الأربعينات من عمره، ذو شعر احمر فاتح، بوجه ابيض يميل للحمرة، يرتدي بنطلونا وقميصا بألوان باهتة أقرب الى الرمادية. والثاني شاب ضعيف البنية، بوجه يميل الى السمرة وأنف طويل معقوف، يضع قبعة كانت تغطي رأسه ونصف وجهه، ويرتدي ملابس سوداء رثة متربة”.
ظلت ابنتها تقاوم بقوة عند باب السيارة واضعة قدمها على حافة الباب، بينما كانت الأم تحاول سحبها بعيدا وهي تمسك بإحدى يديها وتصرخ، قبل أن يجرها صاحب الشعر الأحمر بقوة جانبا ويضع رأسها في ساقية المجاري وهو يلكمها، بينما ظل صاحب القبعة يحاول دفعها لداخل السيارة وهو يشهر سلاحه.
تعتقد أم سروة إن أكثر من عشر دقائق مرت، استمرا فيها بالمقاومة وهما يتعرضان للركل والضرب ويتشبثان بأطراف السيارة ونوافذها لمنع خطف ابنتها، بينما كانت تستغيث بأهالي المنطقة، لكن أحدا لم يجرؤ على التدخل.
“تمكنتُ عدة مرات من الإفلات من صاحب الشعر الأحمر، ومسك ابنتي، لكن في كل مرة كان صاحب القبعة يركلني بكل قوة وهو يدفع سروة إلى السيارة. في المرة الأخيرة سقطت بقوة على الأرض فتشبثت بطرف السيارة، لحظتها أطلق صاحب القبعة عدة رصاصات على ابنتي فسقطت قربي.. احتضنتها وانا اصرخ لكي يتوقف عن إطلاق النار لكنه استمر”.
حين غرقت سروة في دمها ولفظت أنفاسها الأخيرة، توجه صاحب الشعر الأحمر الى السيارة وهو يقول: “لينفعها الآن من تعمل معهم ابنتك العميلة”.
“كل ذلك حدث، وانا اصرخ، لكن أحدا لم يستجب، جميعهم دخلوا منازلهم وأغلقوا أبوابهم بإحكام، وحين غادر القتلة اجتمعوا عند أبواب بيوتهم وهم ينظرون من بعيد دون حراك. حتى الشرطة وسيارة الإسعاف جاءت بعد أكثر من ساعة. الكل كان مذعورا منهم”.
اغتيالات متسلسلة
في السنوات التي أعقبت الاحتلال الأمريكي للعراق في نيسان 2003 وفي خضم الصراع الذي قادته جماعات سنية مسلحة ضد الوجود الأمريكي والنظام العراقي الجديد، تحولت نينوى الى ساحة لتصفية الكتاب والصحفيين فضلا عن السياسيين وكبار الموظفين ورجال العشائر.
وافتتحت تلك الجماعات حقبة الموت باغتيال أحمد شوكت، الصحفي بجريدة “بلا اتجاه” في 28 تشرين الثاني/أكتوبر2003 ثم توالى سقوط الصحفيين.
وفي 16 أيلول/سبتمبر 2005 كانت الساعة تشير الى العاشرة ليلاً عندما دلف الصحفي في جريدة السفير العراقية فراس المعاضيدي (36 سنة) الزقاق الذي يقع فيه منزله بحي النور بالجهة الشرقية لمدينة الموصل، فاستقبلته مجموعة مسلحة بوابل من رصاص بنادقهم وأردوه قتيلاً على الفور.
تقول “بان العبيدي” التي لم يكن قد مضى على زواجها بالمعاضيدي سوى عشرين يوماً “حولوا المنطقة لدقائق الى جبهة قتال وكأنهم يحاربون جيشا مدججاً وليس مجرد صحفي لا يملك إلا قلمه… لم يكن لديهم أي سبب سوى أنه صحفي كتب كلمات لم تعجبهم، فأصدروا فتوى بقتله”.
وتشير العبيدي التي شكلت بعد مقتل زوجها جمعية للدفاع عن حقوق الصحفيين أن الكثير من الصحفيين قتلوا بناءً على فتاوى إعدام صدرت تباعا من جماعات جهادية مسلحة، فقتل من قتل وتخفى البقية أو هربوا إلى خارج المدينة.
“القتلة كانوا يتحركون فيها وينفذون عمليات التصفية بوجوه مكشوفة لا تخاف من ملاحقة قانونية أو عشائرية” تقول العبيدي بحدة.
قبل مقتل المعاضيدي بيومين، عثرت القوات الأمنية على جثة زميلته في جريدة السفير، هند إسماعيل (28 عاما) في أطراف المدينة مصابة برصاصة بندقية ناحية القلب، وقد أحدث الأمر فزعاً جماعياً بين الصحفيات اللواتي قطع معظمهن يومها علاقتهن بالمهنة أو توارين عن الأنظار تماماً في مدينة أضحت مسرحاً كبيراً للقتل.
بين حوادث الاغتيال المعروفة تلك، وقعت العديد من عمليات القتل لعاملين بالصحافة في ظروف مختلفة وبطرق متعددة.
جميع عمليات القتل تلك قيدتها الجهات الأمنية ضد مجهولين وأغلقت ملفاتها رغم إن القتلة في العديد من الوقائع كانوا معروفين وحتى بعد أن فقدت الجماعات المسلحة قوتها في المحافظة وخسرت حواضنها نتيجة سياسات القتل الممنهج والتي ختمها تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) بعمليات إبادة وتنكيل واسعة في فترة حكمه للمدينة، لم تتحرك أي جهة لإعادة فتح تلك الملفات.
كما لم يحصل ذوو الكثير من الضحايا على مستحقات “شهداء الصحافة”، بسبب قوانين وتعليمات متعارضة ونتيجة تقصير الأجهزة الأمنية وإهمال نقابة الصحفيين وتفضيل عائلات بعض الصحفيين الصمت خوفا من الاستهداف في ظل غياب الحماية.
مهنة الموت في أخطر بقاع الأرض
صنف العراق بعد نيسان 2003 ولنحو عقد من الزمن كأخطر بلد على الصحفيين في العالم، حيث قتل 490 صحفيا على أيدي جهات متعددة (مجاميع تكفيرية، مليشيات ضمن الدولة، أجهزة أمنية وجيش، وقوات الاحتلال الأمريكية) بحسب إحصائيات لمنظمات دولية ونقابة الصحفيين.
بين العامين 2003 و2017 كان العمل الصحفي في الموصل أخطر من المهمات القتالية للقوى الأمنية والجيش في جبهات المواجهة مع التنظيمات المسلحة، فالصحفيون كانوا يُستهدفون من مختلف الجهات ويواجهون دون حماية تذكر، سلاح الجماعات من جهة وضغوطات المسؤولين والدعاوى الكيدية التي يقيمونها ضدهم من جهة أخرى.
رغم تلك الأجواء المرعبة، ظهرت في مختلف مناطق البلاد بما فيها الموصل، تزامنا مع تلاشي القيود الحكومية والرقابة على الإعلام، عشرات الصحف والمواقع الإلكترونية والقنوات الإذاعية والتلفزيونية، وهو ما شجع مئات الشباب ممن يحلمون بالعمل في الصحافة أو إظهار مواهبهم في مجال الكتابة، على الانخراط في تلك المؤسسات.
مع اهتمام المجتمع الدولي بالعراق عقب احتلاله من قبل الولايات المتحدة، وجد الكثير من الشباب في العمل الصحفي فرصة لتأمين قوت عوائلهم في ظل معدلات فقر وبطالة عالية في بلد خرج لتوه من عقوبات دولية طويلة وحرب مدمرة.
وجدت سروة عبد الوهاب، التي ولدت في الموصل من عائلة ممتدة الجذور في المدينة، والتي تخرجت لتوها من كلية القانون، ان عملها في الصحافة سيُمكنها من التعبير عن ذاتها من جهة ويؤمن لعائلتها دخلا ماليا.
حظيت سروة، الفتاة ذات الوجه الأبيض الممتلئ والمحتشمة في ملابسها والبسيطة في مظهرها والتي لا يغادر غطاء الرأس شعرها، بتعليم جيد بفضل دعم عائلتها التقليدية المحافظة التي مثل غالبية العائلات الموصلية تحرص على إكمال بناتها لدارستهن الجامعية.
يقول (د.م) أحد زملائها الذين عرفوها عن قرب، مشيرا الى فترة عملها في الصحافة التي امتدت لنحو اربع سنوات، إنها “كانت اجتماعية جدا ودودة ومحبة للتواصل، ذات علاقة جيدة مع زملائها في المهنة ومع الجهات التي عملت معها، كما كانت جدية في عملها”.
يضيف: “لا اذكر إنها تبنت خطابا داعما لجهة سياسية أو مناوئا لجهة محددة، كانت حيادية في نقلها للأحداث، ومع الخطر الذي واجه جميع الصحفيين تجنب الكثير منهم الإدلاء بآرائهم ومواقفهم”.
“لكن ذلك لم يمنع من قتلها” يقول (د.م) وهو يشدد على عدم ذكر اسمه “كان الهدف هو زرع الرعب وإسكات أي صوت ينتقد العنف ويحذر من عواقبه. كان الهدف أرغام الجميع على تقديم الولاء والطاعة، أو ترك المدينة.. أخشى إننا لم نغادر المشهد ذاته الذي أتى بالويلات على الجميع”.
في تلك الفترة شهدت نينوى اغتيال 82 صحفيا أو عاملا في الصحافة، عدا المغيبين على يد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). يشكل أولئك نحو 20% من قتلى الصحافة في العراق، ما جعل الموصل أخطر بقعة في العالم للعمل الصحفي، بحسب تقارير منظمات دولية.
يتحدث الصحفي علي عمر 45 عام عن مهنته التي يصفها بـ “مهنة الموت”، قائلا: “لا أعرف كيف كنا نعمل وسط سيل المخاطر الكبرى. فالمفخخات كانت تملأ الشوارع وعليك ان تتواجد قرب مواقع الحدث، وكانت فتاوى القتل تلاحقنا وقوائم المطلوبة رؤوسهم تتوالى. مجرد البقاء في المدينة كانت مخاطرة كبرى … ورفاقنا كانوا يتساقطون، لم نكن نعرف متى يحين الدور علينا وتخترق الرصاصات أجسادنا”.
ويضيف: “وصل الحال بنا ونحن في مقتبل أعمارنا الى ان نكتب وصايانا فالموت كان اقرب إلينا من الحياة. القتلى لم يكونوا يحظون بمراسم دفن لائقة… بعض زملائنا كانت جثثهم تبقى لساعات مرمية على الأرصفة والشوارع دون أن يتم رفعها خوفا من أن تكون مفخخة، كان التنظيم يحولها الى كمائن ملغمة يتم تفجيرها لدى اقتراب القوى الأمنية”.
يقول (د.م) إن سروة مثل آخرين “خاضت في الحقل الملغوم للصحافة لأنه العمل الوحيد الذي كان متاحا أمامها في تلك الفترة، فقد كانت الحياة مشلولة والوضع الاقتصادي سيئا والعمل في المجال القانوني مستحيلا لأن المحاكم كانت شبه متوقفة”.
يستدرك: “لكنها تعلقت بذلك العمل وأحبته ولذلك لم تتركه حين انهالت على الصحفيين وعليها التهديدات، ورفضت مغادرة المدنية كما فعل الكثيرون حين كان السلاح يُرفع في كل مكان ويحصل القتل باسم المقاومة”.
يحاول (د.م) تفسير سبب اغتيال صحفية شابة لم تنتمي الى جهة سياسية ولم تتبنى خطابا هجوميا: “لا اعتقد إنها قتلت بسبب موقف محدد.. كانت الجماعات التكفيرية تقتل لإثبات وجودها وزرع الرعب، وكان قتل الصحفيين هدفا سهلا ومغريا لأن الخبر ينتشر بشكل واسع، بعض الجماعات كانت ترى أن كل الصحفيين أعداؤها طالما انهم لا يصفون المجموعات المقاتلة بالمجاهدين أو المقاومين أو لمجرد انهم يتواصلون مع المسؤولين الحكوميين أو الأمريكان أو الكرد”.
الأجهزة الأمنية المتواطئة
بدت عمليات قتل الصحفيين مفضلة لدى الجماعات المسلحة لما تحظى به من تغطيات اعلامية واسعة وهو ما كانت تبحث عنه، وكانت قوائم الصحفيين “المطلوبة رؤوسهم” تعلق على أبواب جوامع الموصل، ليتساقطوا بعدها واحدا بعد الآخر في وضح النهار أمام أنظار عناصر الأجهزة الأمنية.
يقول الصحفي جمال البدراني “لم تكن الأجهزة الأمنية عاجزة عن حماية الصحفيين ممن ترد أسماؤهم في قوائم التصفية فحسب، بل حتى عن إلقاء القبض على المتهمين إن عرفوا، وتكتفي بتدوين معلومات بسيطة عن الواقعة”.
يضيف: “لم تتحرى حتى عن الأشخاص الذين كانوا يعلقون بأيديهم قوائم الموت وينشرون فتاوى التنظيمات في الجوامع. كان هناك استسهال لقتلهم أو تواطئ على ذلك، لذلك كنا نخشى من حضور بعض اجتماعات الحكومة ومن تقارير مسؤوليها بقدر خشيتنا من الجماعات تلك”.
يقول صحفيٌ رفض ذكر اسمه، إن “احدى قوائم استهداف الصحفيين التي نشرت في الموصل كانت نسخة طبق الأصل مأخوذة من قائمة حضور الصحفيين في أحد المؤتمرات الدورية لمحافظة نينوى. بعد فترة قصيرة تم اغتيال ثلاثة ممن وردت أسماؤهم في القائمة”.
يتساءل الصحفي ألم يكن تحقيقا بسيطا من الأجهزة الأمنية في كيفية تسرب القائمة “كفيلا بكشف الفاعلين”.
مع توالي الاغتيالات وحالة الرعب السائدة اضطر غالبية الصحفيين إلى النزوح ليخسروا بذلك وظائفهم ومصدر رزق عائلاتهم، فيما قلص آخرون نشاطهم أو عملوا متخفيين بأسماء مستعارة، لكن بمجرد تسرب أسمائهم كان يتم استهدافهم.
يقول الصحفي نوزت شمدين الذي غادر الموصل في آذار 2014 وانتهى به المطاف لاجئا في النرويج بعد تعرضه الى ثلاث محاولات للتصفية آخرها في شباط/فبراير 2014، إن المؤسسات الإعلامية المحلية والأجنبية على حد سواء “تخلت عن الصحفيين المهجرين، وتعاملت بجحود شديد مع القتلى من الذين عملوا ضمن طواقمها”.
واتهم شمدين الحكومتين المركزية والمحلية بالتخلي عن ذوي الصحفيين “لم تكلف الأجهزة الأمنية نفسها عناء البحث والتحري، بعد كل حادث اغتيال التحقيقات كانت تجري على الورق فقط، ومعظم الجرائم التي اقترفت بحق الإعلامين والصحفيين قيدت ضد مجهولين، لكن في الحقيقة هم مجهولون يعرفهم الجميع”.
المجهول الذي يهابه الجميع
لم يلق الصحفيون في الموصل اهتماما حقيقيا من الجهات المحلية والدولية، رغم المخاطر الجمة التي أحاطت بهم “كانوا أهدافا سهلة للمجاميع المسلحة من جهة والأجهزة الأمنية وقوات الاحتلال الأمريكي من جهة أخرى، فضلاً عن فرق الاغتيالات التي تتبع جهات سياسية متنفذة” يقول الصحفي زياد السنجري الذي أضطر الى الهجرة الى أوربا بعد تهديدات تلقاها بسبب عمله مراسلاً في الموصل لاحد الوكالات الدولية.
يؤكد السنجري إن الصحفيين العاملين في مؤسسات دولية كان يتم تصيدهم واحدا تلو الآخر بسهولة وبتهم جاهزة أولها العمالة وآخرها التجسس، خاصة أن الأجهزة الأمنية لم يكن لها أي دور في حماية الصحفيين “بينما القتلة كانوا يفلتون من العقاب بسهولة رغم كون بعضهم معروفا ومحددا بشكل لا يقبل الشك، فلا تحقيقات حقيقية تجري في الحوادث”.
هكذا تم إغلاق كل قضايا اغتيال الصحفيين بعد إجراءات روتينية “لا اذكر ان أحدا اعتقل في كل قضايا الاغتيال والقتل والخطف التي حصلت”.
يقول المحامي سلام الصواف الذي توكل في قضايا عدد من الصحفيين، إن معظم قضايا الاغتيال تلك “لم يتم فيها أي بحث أو تحرٍ حقيقي، ولا حتى تعيين مكان الحادث أو سؤال ذوي الصحفيين عن تفاصيل الواقعة، واذا ما كان الصحفي تعرض لتهديد من أشخاص محددين. ملفات التحقيق لم تكن سوى حبر على ورق”.
ويوضح إن “جميع القضايا كانت تغلق بذات الطريقة، حتى لو كان المتورطون معروفون ويمكن الاستدلال عليهم بتحقيق وتحري بسيطين”.
ويشير الصواف الى أن الإجراءات الروتينية المعقدة “أجبرت ذوي الضحايا على الدفع باتجاه تسجيل القضايا ضد مجهولين حتى لو كان الفاعلون معروفين، لأن اتهام شخص ما يبقي القضية مفتوحة ما يعني عدم إتمام أي إجراء قانوني لعائلة الشهيد من تقاعد أو تعويض أو حتى الحصول على شهادة الوفاة”.
يؤكد ذلك العقيد مازن الأحمد، مدير إعلام شرطة نينوى، قائلا إن “جميع قضايا استهداف واغتيال الصحفيين في نينوى حتى عام 2014 سجلت ضد مجهولين، ولم يتم الاستدلال على أي مجرم فيها”.
ويرجع السبب في ذلك الى أن معظم عمليات الاغتيال كانت تتم من قبل “مجاميع إرهابية منظمة دون أن يكون فيها فاعل واحد محدد”.
الخوف من ملاحقة القتلة
مع عدم جدية التحقيقات في قضايا الاغتيالات، أجبر ذوو الضحايا في الكثير من الأحيان على القبول بالأمر الواقع في ظل غياب أي جهة يمكنهم اللجوء إليها، فحتى لو امتلكوا معلومات عمن استهدف أبناءهم فانهم يتجنبون إخبار الأجهزة الأمنية بها خوفا من تسرب المعلومات منها كونها مخترقة ما يهدد بملاحقة عوائل الصحفيين.
ذلك تحديدا ما دفع أم سروة عبد الوهاب الى الصمت وعدم التبليغ عن قاتل ابنتها الذي صادفته بعد فترة من حادث اغتيالها في أحد سيارات النقل العام بمركز المدينة.
تقول: “عندما رأيته في الباص تعرفت عليه مباشرة، شعرت بحرقة في قلبي كادت تدفعني لمهاجمته وتمزيقه. أردت أن اصرخ، لكني تراجعت سريعا لأن ذلك سيشكل خطرا على حياة ولدي الوحيد المتبقي الذي لن يحميه أحد في ظل الفوضى الأمنية”.
تضيف وهي تتحسر “لا أنسى تلك الدقائق أبدا، رأيته أمامي ولم أتمكن من فعل شيء بل على العكس أنا من غضضت نظري عنه وكتمت حسرتي في قلبي”.
لم تبلغ ام سروة الشرطة وعائلتها رأت إنها “فعلت الصواب في ظل التحقيقات الشكلية وعدم التحري والبحث عن الأدلة وضعف تطبيق القانون”. يقول محمد شقيق الضحية “كيف كان لنا أن نثبت انه هو القاتل. لا أدلة على ذلك والشرطة لا يعنيها البحث”.
ويضيف “بعد الحادثة بقيت جثتها لنحو ساعتين ولم تأتي القوات الأمنية الى المكان، بعدها جاءت سيارة إسعاف لنقلها الى الطب العدلي، وعند التحقيق لم يسألوا كيف قتلت؟ فقط كان السؤال عن الاسم والعمل والمهنة، وعندما قلنا صحفية، قال أحد ضباط الشرطة دون تردد أو خجل: كيف تركتم ابنتكم تعمل في الصحافة؟.. ماذا كنت تتوقعين من عملها؟”.
تقول أم سروة: “كيف ائتمن على حياة ولدي وحياتي والأجهزة الأمنية كانت تلومني على عمل ابنتي وتعد عملها في الصحافة أمرا تستحق معها القتل؟”.
إذا كانت والدة سروة استشعرت خطرا غير مباشر دفعها للصمت، فإن الخطر كان مباشرا بالنسبة لـ”بان العبيدي” زوجة الصحفي فراس المعاضيدي، إذ أجبرت على التنازل عن الدعوى ضد الشخص المتهم باغتيال زوجها.
قالت العبيدي: “القوات الأمنية اعتقلت شخصا يدعى عمار هويد، واعترف بقتل عدد كبير من الأشخاص من بينهم زوجي. ذهبت الى المحكمة بحماية من الشرطة وعندما كنت أسجل أقوالي عند قاضي التحقيق كان شخص ما يقوم بتصويري بالموبايل، عندها صرخت المحققة العدلية لا تصورها هي سوف تتنازل عن الدعوى”.
تابعت العبيدي بشيء من الأسى مستحضرة رعب تلك الدقائق: “صرخت لحظتها لا أريد التنازل عن الدعوى، ما الذي يحدث…..؟ عندها قالت لي المحققة العدلية بصوت منخفض: الذي يقوم بتصويرك هو شقيق المتهم وإذا لم تتنازلي سوف يستهدفك وعائلتك ولن يحميك أحد من بطشهم.. اسمعي نصيحتي وتنازلي فهو سوف يعدم بكل الأحوال لأنه متهم بقضايا أخرى عديدة”.
لاحقا وتحت رعب الملاحقة، تنازلت العبيدي عن حقها وحق زوجها المغدور “فعلت ذلك كمن تجرعت كأس سم، لكن لا حيلة لدي فإن كان شقيق الإرهابي يقوم بالتصوير داخل المحكمة دون خوف فكيف آمن من بطشهم؟”.
ضحايا بلا حقوق
ينص قانون حقوق الصحفيين رقم (21) لسنة 2011 في المادة 11/ أولا “يمنح ورثة كل من يستشهد من الصحفيين (من غير الموظفين) أثناء تأدية واجبه أو بسببه راتباً تقاعدياً مقداره (750) ألف دينار شهرياً عدا ما يمنح للشهداء الآخرين من الامتيازات”.
إلا إن معظم ذوي ضحايا الصحافة في الموصل لم يحصلوا على هذا الحق بحسب عائلات عشرة صحفيين مقتولين في الموصل تم التواصل معها.
عائلة سروة واحدة منها، إذ لم تحصل على أي تعويض أو امتياز أو راتب تقاعدي غير الذي تم صرفه من قبل مجلس المحافظة على أساس كونها من ضحايا الإرهاب، رغم إن نقابة الصحفيين كانت قد أصدرت بطاقة هوية ذوي شهداء الصحافة لوالدتها.
الأمر ذاته أكدته بان العبيدي “لم يتسلم ذوو شهداء الصحافة في الموصل أي حق من حقوقهم ولا حتى الراتب التقاعدي الذي يستحقونه بموجب قانون حقوق الصحفيين، بل اقتصر على راتب حقوق ضحايا الإرهاب الذي تحصلنا عليه بشق الأنفس وبجهد شخصي”.
عومل الصحفيون الذين استهدفوا بنحو مباشر بسبب عملهم في كشف ونقل الحقائق معاملة ضحايا الإرهاب، ليحرموا بذلك من الكثير من الحقوق والامتيازات القانونية. يُحمل العديد ممن تم التواصل معهم من أفراد عائلات “شهداء الصحافة” نقابة الصحفيين مسؤولية ذلك لأنها وحسبما يقولون “لم تقم بواجبها فاضطررنا الى القبول بكونهم ضحايا إرهاب قتلوا بالصدفة نتيجة تفجير أو اشتباك مسلح”.
نقابة بلا أثر
عمل الكثير من صحفيي نينوى وإعلاميها وعلى مدى سنوات طويلة دون أن يكونوا أعضاء في نقابة الصحفيين. ويصف العديد منهم النقابة التي تضم أكثر من 20 ألف عضو، بأنها “هيكل تنظيمي بلا دور ولا أثر”، مشيرين الى غيابها الذي يصفونه بالمخجل عن “ملف اغتيال الصحفيين وحقوق عائلاتهم”.
ويتهم هؤلاء النقابة بمنح العضوية “على أساس المحسوبية ليستفيد منها أشخاص دخيلون”.
يقول الصحفي زياد السنجري إن “الكثير من الصحفيين لم يحصلوا على عضوية النقابة، في حين تم منحها لأشخاص لا يعملون فعليا في مجال الصحافة أو يعملون فنيين وسائقين أو حتى سعاة في المؤسسات الإعلامية”.
ويشير السنجري الى أن النقابة في ذات الوقت منحت العضوية لجميع العاملين في المؤسسات الإعلامية التابعة لأحزاب السلطة أو المليشيات.
ويستطرد: “النقابة تحولت الى مؤسسة شكلية تعمل لأهداف سياسية خاصة، ووصل الأمر في بعض الحالات الى حد عدم الحصول على العضوية دون تزكية حزبية أو توسط”، ويتساءل “كيف لهذه النقابة أن تدافع عن صحفيين يكشفون فساد السياسيين وانتهاكهم لحقوق الإنسان؟”.
يقول “ياسر عبد الخالق ناصر” الذي قتل والده بعد استهداف عجلته بعبوة ناسفة في 27 أيلول/سبتمبر 2007 “والدي كان عضو هيئة إدارية في نقابة الصحفيين، رغم ذلك لم نحصل على أي من حقوقه بعد استشهاده، كل ما حصلنا عليه هو تقاعد شهداء الإرهاب”.
مع عدم قيام نقابة الصحفيين بواجبها عملت بان العبيدي، من خلال جمعيتها (الدفاع عن حقوق الصحفيين) على جمع ملفات ضحايا الصحافة في نينوى والتحرك من أجل استحصال حقوق ضحايا الإرهاب.
تقول:”النقابة ظلت متفرجة وحين قمت بالتحرك للحصول على تقاعد شهداء الإرهاب بعد أن تأكدت من دائرة التقاعد العامة في بغداد بعدم وجود أي ملف مقدم باسم شهداء الصحافة، وجهت اللوم الي”.
تضيف: “نقيب الصحفيين اتهمني وقتها بأنني أضعت حقوق ذوي الشهداء لأن امتيازات شهداء الصحافة أكثر من شهداء الإرهاب، رغم إنني قمت بجمع ممثلي عائلات الشهداء في الموصل من بينها عائلتا سروة وعبد الخالق ناصر وآخرين وأعددت ملفات متكاملة بالمعلومات الأساسية عن كل حالة مع صور لكل شهيد وقدمت الملفات جميعها للنقابة”.
كما تتهم العبيدي النقابة بعدم إدراج أسماء شهداء الصحافة في الموصل ضمن قوائم الصحفيين الذين خصصت لهم قطع أراض سكنية. فيما يشير صحفيون ان النقابة لا تعترف الا بالصحفيين الذين ينتمون اليها وهؤلاء لايمثلون كل الصحفيين.
لكن سناء النقاش، مسؤولة قسم الشهداء والجرحى في نقابة الصحفيين العراقيين، تنفي وجود تقصير من النقابة، وتقول ان هناك لبسا في الموضوع، فالقانون يحدد التقاعد لمن هم غير موظفين حصرا فلو كان الصحفي الشهيد موظفاً سيحصل على راتب تقاعدي من الوظيفة “لا يمكن أن يحصل على راتبين”.
وتوضح أن “قانون حماية الصحفيين صدر قبل أن يصدر قانون تعويض ضحايا الإرهاب، وبعد صدور قانون ضحايا الإرهاب وتحديده راتباً تقاعدياً أكبر من الذي خصص في قانون حقوق الصحفيين، عملنا على تحويل جميع ملفات شهداء الصحافة الى ضحايا إرهاب ليحصلوا على الراتب الأفضل”.
وتؤكد النقاش أن “قرابة 90% من شهداء الصحافة حصلوا على راتب تقاعدي” وأن النقابة تبذل جهدها من أجل تعويض ذوي شهداء الصحافة وحتى بنحو شخصي من قبل النقابة ونقيب الصحفيين.
واستدركت “نعم الوضع في الموصل مختلف عن باقي المدن خاصة بالنسبة لشهداء الصحافة بعد 2014 لأن ملفاتهم تحتاج الى ورقة تدقيق أمني لتبرئة ذمته، وهذا الأمر يأخذ وقتاً طويلاً بسبب كثرة أعداد الشهداء في الموصل، المسجل فيها ثاني اعلى نسبة في العراق بعد بغداد”.
الهجرة أو الموت
رغم استمرار العنف الموجه ضد الصحفيين، اغتيالاً وتهديداً وتكميماً للأفواه، وقفت المنظمات والجمعيات المتخصصة بالدفاع عن الصحفيين وحرية الصحافة عاجزة عن فعل شيء بسبب تشتت جهودها وضعف تأثيرها، فاقتصر عملها على بيانات استنكار وإدانة لعمليات القتل والملاحقة، والمطالبة بالكشف عن القتلة وعدم إفلاتهم من العقاب.
وفشلت تلك المنظمات طوال أعوام في القيام بتوثيق دقيق لعمليات القتل والاستهداف بحق الصحفيين، الذين تحولوا الى مجرد أرقام بلا حياة في بياناتها، فيما أفلت المتورطون من العقاب.
في ظل ذلك الواقع استمر العنف الموجه ضد الصحفيين والمدونين، وتصاعد في 2019 و2020 مع الاحتجاجات الشعبية التي بدأت في تشرين الأول/أكتوبر 2019 واستمرت لنحو عام، ليشمل تهديد مؤسسات كاملة طالها الحرق والغلق في وضح النهار وعلى مرأى القوات الأمنية التي لم تمنع تلك العمليات وتركت المتورطين دون محاسبة رغم أن الكاميرات رصدت وجوههم ووثقت تصريحاتهم التي أظهرت انتماءهم لمليشيات معروفة لها مقرات رسمية.
وسط اتساع دائرة الاستهداف وتساقط صحفيين، اضطر المئات منهم الى تغيير مناطق سكنهم فيما هاجر العشرات الى خارج البلاد.
يقول صحفي، رفض الكشف عن اسمه خوفا من الملاحقة: “غادرت الموصل بعد أن تعرضت المؤسسة التي أعمل فيها للتهديد، وتم استهداف مقرها في بغداد. أنا أفكر الآن بمغادرة العراق نهائيا، فلا سبيل آخر لضمان حياتنا”.
يضيف: “المشهد لم يتغير كثيرا عما كان عليه قبل عقد من الزمن حين قتلت سروة وقتل المعاضيدي وأحمد شوكت. كان الصحفي يهدد ويقتل لمجرد عمله في الدولة أو تواصله مع مسؤولين حكوميين أو مع قوات التحالف، واليوم يكفي أن يتهمك أحدهم في أحد وسائل التواصل الاجتماعي بالعمالة لسفارة أو لدولة ما او حزب حتى يتم تبرير تصفيتك”.
الموصل التي تخلصت من سطوة الجماعات الدينية السلفية المتشددة بين 2003 – 2017، واقعة اليوم تحت سيطرة ميليشيات الحشد الشعبي أو كما يسميها البعض “وريثة داعش”، كونها تفرض نفسها كحاكمة في ساحة تتراخى فيها قبضة الجيش النظامي والشرطة، ويتكرر المشهد ذاته “فلا مجال لانتقادها”، كما يقول عدة صحفيين تم التواصل معهم.
ومع أن لا حوادث اعتداء سجلت ضد صحفيين، إلا أنهم يتلقون تهديدات مباشرة وغير مباشرة من عناصر قريبة من الميليشيات أو تدعي الانتماء لها، عندما ينشرون موادا تعنيها أو تشير إلى ممارسات غير قانونية تقوم بها.
هذا ما يدفع صحفيين كثر كانوا قد هربوا طوال سنوات من (داعش) وعادوا لمزاولة عملهم مجددا في الموصل إلى العودة من حيث أتوا، فيما فضل آخرون العمل بصمت وبأسماء مستعارة مستفيدين من دروس سابقة كان معظمها مميتاً.
*انجز هذا التحقيق بدعم من مركز الخليج لحقوق الإنسان في إطار مشروع التحقيق في الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا