ألترا عراق ـ فريق التحرير
في أحد الأحياء الفقيرة بقضاء الزبير، جنوب غرب محافظة البصرة، فتح عمر فاضل عينيه نحو العالم وحيدًا يتيمًا، كان هذا في 28 تشرين الأول/أكتوبر 1991، ليبدأ مسيرة شاقة في الحياة، ابتدأت بتبنيه من عائلة أصدقاء والده، مرورًا بأعمال البناء المرهقة، فيما كانت النهاية، رصاصة من مسدس ضابط برتبة نقيب، لكن الحكاية، لم تنته بهذه الرصاصة، فقبل أن تبرد دماء فاضل، شنّت حركة “عصائب أهل الحق” اتهامات للمتظاهر بأنه ليس من أهالي البصرة، وأن هناك من أرسله لحرق المحافظة.
الشاب الذي كان في طور التحضير للزواج، ويشتغل في أعمال البناء الشاقة، شارك مع آلاف الشباب في احتجاجات تشرين
وبعد مرور أكثر من 5 أشهر على الحادثة، ارتأى أصدقاء فاضل تخليد ذكراه، والرد على تلك الاتهامات بنصب تذكاري في أحد الشوارع المهمة في القضاء الذي كان يقطنه جنوب غربي البصرة.
الشاب الذي كان في طور التحضير للزواج، ويشتغل في أعمال البناء الشاقة، شارك مع آلاف الشباب في تظاهرات تشرين 2019، وبقي في ساحة اعتصام محافظة البصرة تحت خيمة مع عدد من أصدقاءه رغم انخفاض زخم الساحة بسبب جائحة كورونا.
كان عمر فاضل يتنبأ في الرصاصة القاتلة، إذ كان يحث الأصدقاء على زيارة قبور ضحايا التظاهرات، ومواصلة طريق الاحتجاجات لاسترداد الحقوق، كما يستذكره محمد شامر، وهو أحد أقرب أصدقاء فاضل، ويضيف أن “عمر عاش حياة متعبة جدًا فولد يتيمًا فقيرًا، وكان يعتقد هو الوحيد بهذه الحال، لكن خلال احتجاجات تشرين وجد عمر كثير من الشباب يشبهونه بالمعاناة، فتمسك بالخيمة التي كنا نجتمع بها في ساحة اعتصام البصرة حتى يوم استشهاده”.
ويتابع شامر في حديثه لـ”ألترا عراق”، “عمر الذي اتهم أنه ليس من البصرة وأنه من أهالي الأنبار، كان في كل عام يشارك في خدمة المشاية في موسم زيارة الأربعين، من خلال موكب للمنطقة يتم نصبه بين محافظتي كربلاء والنجف تقدم الخدمة للزوار، لكن خلال احتجاجات تشرين قال إنه سيبقى مرابطًا في الساحة هذا العام، لأنه يرى أن المطالبة بالحقوق لا تقل أهميةً وفضلًا عن خدمة الزائرين”.
حركة عصائب أهل الحق، وعلى حساب الناطق باسم مكتبها السياسي محمود الربيعي، كانت قد اتهمت المتظاهر البصري في أول ساعة من اغتياله، بأن “أصوله من محافظة الأنبار”، في إشارة مكررة تستخدم من قبل الفصائل والمنصات المقربة من ايران إلى “مؤامرة ضد المكون الشيعي عبر تظاهرات تشرين، وبدعم من قوى سياسية ودول خليجية”، وكتب الربيعي على حسابه الشخصي، إن “المتظاهر المقتول في البصرة من الأنبار، واسمه عمر الدليمي”، متسائلاً “مَن أرسله للتظاهر في البصرة؟”.
لكن سرعان ما تراجع القيادي في الحركة عن حديثه، حيث حذف التغريدة من حسابه، وبعد أشهر من تلك الحادثة، وجه فريق “ألترا عراق” سؤالًا عبر غرفة محادثة صوتية في برنامج “كلابهاوس”، إلى محمود الربيعي عن سبب هذه التغريدة ولماذا حذفت، ليبرّر في حديثه أنه “استقى المعلومة من وكالة محلية، بالإضافة إلى تصريح من قبل المكتب الإعلامي لمحافظ البصرة”، لكن الربيعي لم يقدم تبريرًا مقنعًا حول تبنيه لهذا الرأي الذي لم يشر في تغريدته إلى أن المعلومة منقولة، كما أنه لم يوضح سبب حذف التغريدة إن كان متأكدًا منها.
الرد على الربيعي جاء من قبل اصدقاء عمر من خلال نصب تذكاري في أحد الشوارع المهمة بقضاء الزبير حيث كان يعيش، فيما كتب تحته وبخط واضح “أيقونة ثورة تشرين في البصرة الشهيد عمر فاضل”، وهو ما يشير إليه محمد شامر بالقول، إنه “مع مجموعة من أصدقاء عمر تبرعوا بتكلفة بناء النصب تخليدًا لذكراه، وردًا على من شكك بعمر وأخلاصه لوطنه”، لافتًا إلى أن “مكان النصب تم اختياره بعناية في شارع الجاهزة بقضاء الزبير، وهو من الشوارع المهمة، بالإضافة إلى أن منزل عمر يقع في ذات الشارع، حيث تم حفل الافتتاح بعد أخذ الموافقات الرسمية من الجهات الحكومية، والتي سمحت لنا بإقامة النصب”.
ومن الطين والفايبركلاس، وبارتفاع 90 سم وعرض 60 سم، على قاعدة بلغ ارتفاعها 140 سم، أقام النحات الشاب عبد الله درويش نصب عمر فاضل، في فترة إنجاز استغرقت 60 يومًا.
درويش وهو خريج من كلية الفنون الجميلة، ومن مواليد 1994، يقول لـ”ألترا عراق”، إن “العمل تطوعي بين أصدقاءه حيث كلف قرابة الـ2 مليون دينار”، موضحًا أن “هذا العمل هو الأول الذي يقوم به لتخليد احتجاجات تشرين وأسعى إلى أعمال أخرى لتخليد مرحلة الاحتجاجات”.
عائلة عمر، والتي حضرت حفل الافتتاح عبرت عن سعادتها بالأعمال الفنية التي تخلد ذكرى ابنها في ظل الحملات التي تحاول تشويه صورهم إعلاميًا، فيما تحدثت عن ظروف اغتياله والتحقيقات الجارية مع المتهم.
هشام، والذي يعرف نفسه أنه شقيق عمر فاضل، كشف لـ”ألترا عراق” تفاصيل عن حياة عمر، وآخر أيامه والأعمال التي كان يمارسها.
ويقول هشام، إن “عمر فاضل والذي أعرف نفسي على أنه شقيقي، يعود لأب من أهالي الرمادي وأم من أهالي الناصرية، لكنهم يعيشون في محافظة البصرة قضاء الزبير، وأثناء عملية الولادة توفيت والدته، فولد يتيمًا، ولأن والده متزوج من امرأة أخرى، ونحن جيران وأصدقاء أهله، فقاموا أهلي بتربيته وعاش بيننا كفرد من الأسرة منذ اليوم الأول لولادته في أحد مستشفيات قضاء الزبير”.
وأوضح أنه “كان يعمل معي في أعمال البناء والصبغ، فكان يصارع من أجل أن يبني مستقبله ويتزوج، مستدركًا “لكنه استشهد قبل أن يكمل أحلامه برصاصة مسدس من ضابط في شرطة البصرة بتاريخ 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2020″، موضحًا أن “الضابط أطلق الرصاص بحسب التقارير الطبية، عبر مسافة أقل من 10 متر، وهو الآن في السجن بانتظار محاكمته، والتي كان من المقرر له أن تكون يوم 7 نيسان/أبريل الجاري”.
وعن إقامة نصب تذكاري لعمر فاضل، يقول هشام، إنه “يشعر بالسعادة أن يرى تمثال عمر شاخصًا في أحد شوارع منطقته، كما أنه رسالة لمن شكك وسقط بعمر في أول أيام استشهاده”.
وتواصل “ألترا عراق” مع الحكومة المحلية في البصرة لمعرفة مجرى التحقيقات الجارية مع الضابط الذي أطلق النار على عمر فاضل في أحد الشوارع القريبة من مبنى محافظة البصرة خلال الاحتجاجات، لكنها أوضحت أنها “لا تمتلك أي معلومات عن التحقيقات الجارية مع الضابط المتهم”.
لا تمتلك الحكومة المحلية في البصرة أي معلومات عن التحقيقات الجارية مع الضابط المتهم بقتل عمر فاضل
وكانت وزارة الداخلية العراقية، قد أعلنت بعد يوم واحد من اغتيال عمر فاضل، عن تمكّن القوات الأمنية من اعتقال ضابط برتبة نقيب منسوب إلى القوة الخاصة “سوات”، حيث اعترف بإطلاق النار على عمر من سلاح نوع مسدس، فيما عدته أنه تصرف شخصي وسيحال إلى الجهات القضائية.