بعد مرور قرابة العشرة أيام على نيل حكومة محمد شياع السوداني الشرعية في مجلس النواب، أغرقت الجيوش الالكترونية الولائية منصات التواصل الاجتماعي بسيل من المنشورات التي تتغنى بأهمية القرارات الحكومية المتخذة مؤخرًا، قبل أن تطبق حتى!
هناك تصاعد ملحوظ في نشاط الجيوش الالكترونية حيث تم إنشاء مئات الصفحات بأسماء تابعة لحكومة السوداني الجديدة
إن الخلطة الإعلامية الفاسدة التي أسست لها حكومة المالكي الثانية (2010-2014)، لكسب تعاطف الجماهير من خلال منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المملوكة إلى جهات سياسية التي اعتادت على دعم ومهاجمة أي حدث أو قرار بما تقتضيه مصلحة الجهة السياسية الممولة، والتحريض على المعارضين، وسار عليها رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي من خلال دعم بعض الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، وشراء ذمم صحفيين، وبعده عادل عبد المهدي الذي ساهم بشكل كبير في تنمية تلك الجيوش الالكترونية، وفيما بعد مصطفى الكاظمي “الإعلامي” الذي اهتم بلقطاته الفوتوغرافية أكثر من معالجة أخطاء الحكومات السابقة، حتى سميت حكومته بـ”الفيسبوكية”، وعلى ما يبدو أن سنّة المالكي الإعلامية ستسمر معنا طوال الفترة المقبلة بكاركتر جديد لا يختلف كثيرًا عن اهتمامات رؤساء الوزراء السابقين.
إن المراقب لمواقع التواصل الاجتماعي خلال الفترة القصيرة الماضي، يرصد تصاعدًا ملحوظًا في نشاط الجيوش الالكترونية، حيث تم إنشاء مئات الصفحات بأسماء (محبي وعشاق وأنصار) الحكومة الجديدة، كذلك عزز سياسيو “السنة” في الحكومة الجديدة نشاط تلك الجيوش من خلال إنشاء صفحات مشابهة. وعلى سبيل المثال تم رصد أكثر من 34 صفحة انشأت باسم وزير التربية إبراهيم النامس، خلال أول 24 ساعة على فوزه بالمنصب، في حين تم إغراق مواقع التواصل الاجتماعي بعشرات الصفحات باسم “محبي وعشاق وأنصار رئيس الوزراء محمد شياع السوداني”، بالتزامن مع نشاط كبير للقنوات الولائية على تطبيق “تيليجرام” التي تتسابق في نشر (منجزات الأيام العشرة) لحكومة السوداني.
وزيرة الاتصالات هيام الياسري، المرشحة للمنصب من قبل رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، والتي لا تمتلك أي صورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي قبل أن يتم انتخابها على رأس الوزارة، أعجبت بفكرة “الترندات” وغزت مواقع التواصل الاجتماعي بصورها بعد قرار حظر المواقع الإباحية في العراق، وهو قرار قديم سبق وأن صوت عليه مجلس النواب عام 2015، لكنه من المواضيع الجدلية التي تتصدر بسهولة حديث مواقع التواصل الاجتماعي.
تستند فكرة “الترندات” ببساطة على تناول المواضيع الجدلية، التي نجح طرحها في وقت سابق بإشغال الرأي العام، وتستخدم أحزاب السلطة تلك السياسية للتغطية على مواضيع وملفات أكثر أهمية، حيث لا تكلف “الترندات” شيء كون الجيوش الالكترونية جاهزة لتلقي التغريدات والمنشورات لتغزو بها مواقع التواصل الاجتماعي، وغالبًا ما يتم تسويق تلك المواضيع على أنها منجز، حيث يتم تصميم الصور والفيديوهات للشخصية التي يرتبط بها موضوع “الترند”، لكن في الحقيقة هي سياسة لحرف الأنظار عن المتطلبات والحاجات الأساسية التي ينتظرها المواطن، يتم إشباع أدمغة أكبر عدد ممكن من رواد مواقع التواصل الاجتماعي بمنجزات وهمية فارغة لن تقترب حتى من أبسط احتياجاته.
إن صفحات الجيوش الالكترونية المنظمة والتي ترتبط رسميًا بجهات سياسية، انتقلت إلى بعض الوزارات والدوائر والحكومات المحلية، لتكون جيوشًا حكومية رسمية. ويذكر هذا الأمر، أن محافظ البصرة أسعد العيداني قام في عام 2019، بفتح باب التعيين لـ30 ألف درجة وظيفية في دوائر المحافظة على شكل عقود مع الحكومة المحلية، الأمر الذي أوقع تلك الدوائر في حرج كبير، إذ وصل عدد الموظفين أكثر من عدد المراجعين في أحد الدوائر، حتى جاء الحل العبقري من أحد مدراء تلك الدوائر، حيث أمر بعض العقود الجدد للعمل على إنشاء صفحات على “فيسبوك” تهاجم منتقديه، وتصمم له الفيديوهات التي تتغنى بهيبته وشجاعته في إدارة الدائرة، لتكون “جيوشًا الكترونية” رسمية!
وإلى جانب الصنف أعلاه، خلق بعض المدونين عبر مواقع التواصل الاجتماعي صفحات تحت الطلب، تارة بأسمائهم المعروفة وتارة بأسماء مستعارة، حيث تقوم تلك الصفحات بنشر ما يطلب منهم مقابل مبالغ مالية، وغالبًا ما تنشط الصفحات المذكورة في الفترات الانتخابية، وتتنافس بشدة لزيادة عدد متابعيها بكل الطرقة المتاحة سواء بنشر أخبار مزيفة لابتزاز شخصيات معينة، أو عرض خدماتها عن طريق المقربين من بعض الأحزاب السياسية، ونشطت تلك الصفحات كثيرًا في فترة حكومة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي.
إن النشاط الالكتروني للخلايا الإعلامية المرتبطة بجهات سياسية داعمة لحكومة السوداني، يذكرني بالفترات الانتخابية، ويبدو أن مشاركة أغلب الأحزاب السياسية في الحكومة دفعها إلى إدخال خلاياها الإعلامية في “إنذار ج”، في وقت مبكر، أبكر حتى من أن يتعرف الوزير على زوايا مكتبه. إن التطبيل والردح الذي تقوم به تلك الخلايا للحكومة، هو أشبه بالنفخ في بالون صغير سينفجر متعثرًا في دبوس فساد، أو بكثرة الهواء، الذي سرعان ما يكتشف الشارع المنجزات الفارغة، لتتحول تلك المنصات إلى مصدر للسخرية.
لا يصمد “الترند” ولا التطبيل لسياسي أمام الحاجات الأساسية والحقوق التي يطالب بها العراقيون منذ سنوات
صراع “فانزات” الحكومة لتلميع الواقع لن يطول كثيرًا، على اعتبار أن سياسية “الترندات” سياسة وقتية لتجاوز قضية ما، استمرار العمل بها في ظل الأزمات التي يمر بها البلد، وتضخيم المنجزات إعلاميًا سينقلب عكسيًا، ولكم في وعود خفض الدولار وطريق الحرير والمعاهدة الصينية خير تذكار، فلا “فانز” سيدوم و لا “ترند” سيصمد أمام الحاجات الأساسية والحقوق التي ينادي بها المتظاهرون طوال السنوات السابقة.