شباط 2023:
شاركت العشرات من الصفحات الناشطة على وسائل التواصل الاجتماعي والممولة من قوى الاطار التنسيقي، في التحريض وبشكل ممنهج على موقعي بيان إدانة “حملة ملاحقة المحتوى الهابط”، عبر نسخ “بوست” سوقت فيه لجملة اتهامات بحق الموقعين الذين تخطى عددهم الألف شخص، من باحثين واكاديميين وكتاب وصحفيين ونشطاء في الحراك المدني والسياسي.
تلك الصفحات نشرت تقول “كنا نتصور أنّ المحتوى الهابط في مواقع التواصل الإجتماعي هي حالة عفوية رافقت الإنفتاح الإعلامي لكن بعد أن شاهدنا المؤسسات والمنظمات والشخوص التي تعتاش على فتات سفارة الشر الأمريكية تنبري للدفاع عن جماعة المحتوى الهابط وتهاجم القضاء وتدافع عن الإبتذال واللواط والشواذ وكل ما هو بذيء ويدعو للإسفاف وهدم الأسرة، يتبيّن لنا أٓنّٓ نشر التفاهة والإباحية هو مشروع أمريكي يتم تنفيذه في العراق”.
وجاء موقف تلك الصفحات الممولة من قبل جماعات سياسية مسلحة لا تؤمن بالدولة والقانون، بعد البيان الذي أطلقه عشرات الباحثين والقانونيين والصحفيين وحظي بتأييد واسع لدى النخب العراقية، والذي كشف عن سلسلة انتهاكات دستورية وقانونية تضمنتها حملة “المحتوى الهابط” التي قادتها وزارة الداخلية بالتنسيق مع القصاء.
وأبدى ناشطون قلقهم من أن تكون الحملة بداية لاعتقال كل من له رأي يخالف رأي السلطة، محذرين من ان الحملة بالطريقة التي اديرت فيها تنشر الرعب وتسيء للنظام الديمقراطي وتهدد بمصادرة الحريات والتعددية. ودعت الى مكافحة “المحتوى الهابط” من خلال التثقيف والتعليم ودعم الفنون والثقافة، وليس التهديد وتوظيف قوانين حزب البعث والأنظمة القمعية.
وسخر ناشطون ومدونون من الصفحات المحرضة، داعية وزارة الداخلية الى التعامل معها ومحاسبتها قانونا لأنها أساءت وحرضت بحق مئات النخب العراقية. وذكر ناشطون ان تهمة “أبناء السفارات” باتت قديمة ومضحكة، لأن السفيرة الامريكية وممثلي بعثة الأمم المتحدة وباقي السفارات الغربية، يجرون يوميا العديد من اللقاءات مع قيادات السلطة والاحزاب الحاكمة ويتبادلون “عبارات الثناء”، حات باتت تلك القيادات توصف بأنها “حبيبة السفارات”.
وكان أكثر من ألف شخصية، بين باحث وكاتب وصحفي وقانوني ومدون وناشط مدني وسياسي ومواطن ناشط على صفحات السوشل ميديا، قد وقعوا على بيانين يحذران من قمع الحريات والغاء التعددية الثقافية والفكرية وضرب المسار الديمقراطي والتوجه نحو الدكتاتورية، بحجة حماية المجتمع، وعبر حملات تشبه الحملات الايمانية لحزب البعث، وفي ظل سلسلة اجراءات ومسودات قانون خطرة تعمل على تمريرها الأحزاب الحاكمة.
بيان إدانة لـ”حملة ملاحقة المحتوى الهابط”
انتهاك دستوري واساءة للنظام الديمقراطي
تواصل الجهات الأمنية اعتقال العديد من “مشاهير” وسائل التواصل الاجتماعي، بتهمة “الإساءة للذوق العام” ونشر “المحتوى الهابط”، بعضهم لم تتضمن موادهم أية إساءة أو ضرر مادي للمصلحة العامة بدليل الإفراج عنهم لاحقا، وذلك بالاعتماد على مذكرات قبض قضائية، منحها بيان مجلس القضاء الأعلى، إطارا أوسع للملاحقات بإضافته لعبارة “الإساءة المتعمدة لمؤسسات الدولة بمختلف العناوين والمسميات”، ما يفتح الباب أمام ملاحقات أكبر لكل من ينتقد أجهزة الدولة.
نحن مجموعة من الصحفيين والكتاب والباحثين والناشطين وممثلي منظمات المجتمع المدني، إذ نؤكد أهمية معالجة المحتوى المسيء عبر إصلاح قطاعات التربية والتعليم والثقافة، والتمكين الاجتماعي لصناعة المحتوى الهادف، والتنبيه إلى تأثيراته السلبية، في إطار ما ينشره من قيم خاطئة وأخبار مضللة، وتحريض فاضح، فإننا نرى أن تلك الاعتقالات والأحكام الأولية الصادرة، مخالفة للدستور والقوانين والمعاهدات الدولية التي وقع عليها العراق، ولا تعتمد على سند قانوني واضح، في ظل عدم وجود نص صريح يجرم الحالة، خاصة وأن تهم “الإساءة للذوق العام” و”الآداب والأخلاق العامة” غير محددة التوصيف قانونيا، ويمكن التوسع فيها لتشمل أي تصرف أو قول أو حتى إيحاء، ما قد يحمل في طياته تهديداً لكل من لديه رأي يخالف توجه السلطات.
وإننا إذ نطالب الجهات المعنية بوقف تلك الملاحقات غير الدستورية، وتحديد تعريف واضح لما يسمونه بـ”المحتوى الهابط”، نؤكد أيضا على أن اللجنة المشكلة من قبل وزارة الداخلية، ما هي إلا خرق دستوري فاضح، وانتهاك للنظام الديمقراطي، وذلك من خلال تثبيت الملاحظات القانونية الآتية:
1- إن الحملة والإجراءات المتبعة تحمل مخالفة للمعايير الدولية لحرية التعبير التي نصت عليها العهود والمواثيق الدولية، والتي وقع عليها العراق.
2- تشوب هذه الحملة الممنهجة مخالفة دستورية واضحة لأحكام المادة 38 من الدستور العراقي التي كفلت حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل وحرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر وحرية الاجتماع والتظاهر السلمي، ما لم يتضمن التشهير أو الإساءة أو التهديد، مقابل الانجرار وراء قوانين موروثة من زمن النظام الشمولي قبل ٢٠٠٣.
3- تأشير انتهاكات خطيرة في إجراءات الاعتقال والقبض، كونها صدرت بموجب تعليمات صدرت عن وزارة الداخلية، دون وجود أوامر قضائية مسبقة مبنية على اتهامات قانونية محددة وفق القانون.
4- لا تنطبق أحكام نص المادة 403 التي تمت بموجبها المحاكمات على الكثير من الحالات، كون المادة لم تنص على معاقبة “المحتوى الهابط”، وبذلك مخالفة لمبدأ: “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص”.
5- عدم وجود نص قانوني واضح يحدد معايير “المحتوى الهابط”، والاتكاء على مواد قانونية أخرى من خلال التفسير الموسع، ما يعطي للقابضين على السلطة إمكانية استخدام المصطلحات المطاطية للتوسع في قمع الحقوق والحريات العامة والآراء المخالفة لذائقة السلطة.
إن الملاحقات التي جرت، تثير جملة ملاحظات، في ظل عدة حقائق مهمة لا يمكن التغافل عنها:
– الملاحقات تتم من قبل وزارة الداخلية، وهي وزارة أمنية معنية بحماية أمن المواطنين، وبموجب قانونها المرقم 22 لسنة 2016، ولا نعرف ما علاقتها بـ”المحتوى الهابط”.
– إن منصة (بلغ) التي استحدثتها وزارة الداخلية، تؤكد وجود أجندة لتحقيق أهداف معينة، إذ أن المنصة لا تظهر حجم التبليغات، ولا أسماء أصحاب المحتوى، ولا توجد شفافية في معرفة حجم التبليغات ونوعها وأسماء الحسابات أو الصفحات أو القنوات.
– نجد تغافلا واضحا من لدن وزارة الداخلية على صفحات وأسماء ومنصات عرفت بالتحريض على القتل والطائفية والتشهير والعنف، وبقيت بعيدة عن كل أنواع المساءلة، لاسيما وأنها ذاتها شاركت في تأييد الملاحقات القضائية، الأمر الذي يثير القلق من كونها حملات ذات دافع سياسي.
– إن فضاء السوشيال ميديا المفتوح، لا يمكن حصره والتضييق عليه وتحديد مساره بملاحقات قضائية اعتمادا على قوانين قديمة، وإذا كان من الممكن ملاحقة نشطاء يعملون من العراق، فهناك مئات غيرهم يمكنهم نشر ذات المحتوى الهابط وما هو أسوأ منه خارج البلاد، ليدخل كل بيت، دون أن يكون هناك قدرة على محاسبة أصحابه، وبالتالي فإن التذرع بحماية المجتمع حجة واهية.
– ان النشر في تلك الصفحات والمنصات، محكوم بقواعد واضحة لمنع وقوع الانتهاكات والاساءات، فهي تسمح للشخص المشترك أن يقوم بالتبليغ عن المحتوى الذي يتضمن انتهاكا لتتخذ ادارة المنصات (وسائل التواصل) الاجراء اللازم دون تدخل السلطات التي قامت مؤخرا بعرض بعض من تعتبرهم “مروجي محتوى هابط” كارهابيين ونشر صورهم بما يخالف القانون والدستور.
– معالجة المحتوى الهابط في الأساس، لا يتم عبر الملاحقات القضائية، بل عبر التثقيف المجتمعي، وعبر خلق فرص عمل للعاملين في هذا المجال، والتنبيه الى أخطائهم والعمل على تطوير إمكاناتهم الفنية واللغة المستخدمة من قبلهم ضمن المسار المفيد مجتمعيا.
إننا الموقعون أدناه، نعبر عن قلقنا البالغ من أن تؤدي الملاحقات غير المستندة لجريمة واضحة، إلى تحريف السلطة القضائية عن المسار الدستوري المرسوم لها، وقد تتحول الملاحقات إلى ملفات ترفع بدوافع سياسية وكيدية، طالما أنها تتم وفق عبارات مطاطية، لتطال كتابا وصحفيين وناشطين على وسائل التواصل، ما يعني دخولنا في مسار سلطوي يكبح حرية الرأي والتعبير بأشكالها المختلفة، ويضيق مساحة عمل مؤسسات المجتمع المدني التي تمثل ذراعا أساسيا في حماية الممارسة الديمقراطية التي اكتسبها العراق بعد 2003 .
فيما نطالب مجلس النواب العراقي بأداء دوره في حماية الدستور والنظام الديمقراطي المستند إلى حرية الرأي والتعبير، والقيام بمهامه في المراقبة والمساءلة وتشريع قوانين جديدة تلغي قوانين مقرة في زمن النظام الدكتاتوري، وتتعارض مع الدستور، ولا تتلاءم مع عالم اليوم، ولا مع حقوق العراقيين المقرة دستوريا، بما في ذلك ضمان الحريات والتعددية الفكرية التي دفعوا لتثبيتها مئات آلاف الضحايا.
ختاما، ندعو المجتمع الدولي، وبعثتي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وممثلي البعثات الدبلوماسية للدول الديمقراطية، إلى مشاركتنا في تنبيه السلطات المختلفة في البلاد من أي انحراف عن القواعد الدستورية التي صوت عليها العراقيون عام 2005 والتي تشكل أساسا راسخا في حكم البلاد.
بيان مجموعة ٣ حزيران عن تجريم منتجي “المحتوى الهابط”
تتابع مجموعة بيان ٣ حزيران، الخاصة بمراقبة واقع حرية التعبير في العراق، هذه الأيام، الإجراءات التي يتخذّها مجلس القضاء الأعلى ووزارة الداخلية لمحاربة ما أطلق عليه الاثنان “المحتوى السيء” أو “الهابط “. وسبق ذلك تشكيل وزارة الداخلية (لجنة متابعة المحتوى السيء) التي شرعت باعتقال عشرات المواطنين من المدوّنين وصنّاع المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، ليصدر القضاء بحق بعضهم احكاماً سريعة وغير مسوغة بالسجن والغرامة.
تنظر لجنة بيان ٣ حزيران بقلق بالغ إلى هذه الاجراءات، بضمنها التأطير القانوني المستخدم لتبريرها والترويج لها، وتعتبر اللجنة ذلك خرقاً جدياً وخطيراً لحرية التعبير التي كفلها الدستور العراقي ونصّت عليها مواثيق دولية وقعّها العراق. وبناءً عليه، تسجّل اللجنة مواطن القلق الآتية:
١- إن جوهر هذه الإجراءات التعسفية هو عبارة “المحتوى السيء” أو “المحتوى الهابط.” ولم تحدّد وزارة الداخلية في بيانها الصادر في ١٦ كانون الثاني الفائت، ولا مجلس القضاء الأعلى في بيانه الصادر في ٨ شباط الحالي، معنى السوء أو الهبوط المقصودين، ولم يشيرا الى المعايير التي استخدمها الاثنان في اعتبار هذا المحتوى تهمة تستحق العقوبة. لا يوجد في المنظومة القانونية العراقية تعريف للمحتوى السيء أو الهابط. وبغياب مثل هذا التعريف القانوني الذي يحدّد معنى العبارة، فإنها تبقى مبهمة ومفتوحة على تفسيرات كثيرة ومختلفة؛ فما يعتبره شخص محتوى هابطاً وسيئاً يمكن أن يعتبره آخر محتوى رفيعاً وملهماً. إن المرجعية في كل جريمة هو الوصف الدقيق لها، كما أن مرجعية أي عقوبة هي نصها القانوني، فلا جريمة ولا عقوبة إلا بنص كما يقرّر الدستور، ومن دون ذلك فأننا سنكون بإزاء طيف واسع من الجرائم التي يمكن أن تشمل خطابات السياسيين، وتأويلات رجال الدين، ومنتجات الأدب والفن، وحتى لغة الحياة اليومية مما يعتبرها الكثيرون جزءاً من المحتوى “السيء أو الهابط” لاسيما تلك التي تروّج للطائفية والعنصرية والكراهية أو تقدّم معلومات مغلوطة ومضلّلة على نحو يساهم بخداع الجمهور ويضر بالمصلحة العامة. فضلاً عن ذلك، فإن خطاب الكراهية هو المحتوى الأكثر خطراً على المجتمع، ومع ذلك يتمتع دعاة العنف والتحيّز العنصري والطائفي والمحرضين على الدم والمُلوّحين بالسلاح بالحصانة الرسمية وشبه الرسمية.
٢- إن “حرية التعبير” حق أصيل وأساسي، ومن دونه لا يمكن الحديث عن نظام ديموقراطي وتعددية اجتماعية وفكرية. ولا يُقيَّد هذا الحق إلّا بأفعال القذف أو السب التي تستهدف اشخاصاً معينين عبر إسناد واقعة معينة للغير أو رميه بما يخدش شرفه مما يؤدي الى الضرر به، أو أفعال التحريض التي تعرّض سلامة الاشخاص للخطر. في كلا الحالتين، لا بد من قرار محكمة تحكم بأن هذه الأفعال تخرج عن إطار حرية التعبير على أساس قانون واضح ينسجم مع المعايير الدستورية العراقية والعالمية المعتمدة بخصوص تعريف “حرية التعبير”. ولا ينطبق هذان القيدان على المحتوى الذي ينتجه من تستهدفهم الإجراءات القمعية الأخيرة، إذ يخلو هذا المحتوى من التشهير او التحريض. قد يكون مستوى المحتوى فقيراً فنياً وفكرياً، لكن هذا لا يجعله محتوى مخالفاً للقانون ولا سلوكاً يستحق العقاب القانوني.
٣- إن المجتمع، بنقاشاته وجدالاته وتأثير قواه وشخصياته الفاعلة وصيرورة التفاعل المفتوحة فيه، هو الذي ينبغي أن يقرّر المحتوى الجيد من المحتوى السيء ويتخذ الإجراءات الاجتماعية الملائمة بحقه؛ كالمقاطعة والتجاهل وإبلاغ الشركات المشغلة لوسائل التواصل الاجتماعي، وصناعة محتوى معاكس ذي قيمة أعلى وسواها من أساليب الرد والتأثير، دون تدخّل السلطات الرسمية واستخدام القسر القانوني ونظام المحاكم.
٤- غياب الغطاء الدستوري للإجراءات الأخيرة؛ فقد نصّ الدستورُ العراقي على حرية التعبير بوصفه حقاً اصيلاً تحميه الدولة. تشير المادة ٣٨ من الدستور إلى الآتي: “تكفل الدولة وبما لا يخل بالنظام العام والآداب: اولاً: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل. ثانياً: حرية الصحافة والطباعة والاعلان والاعلام والنشر. ثالثاً : حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وتنظّم بقانون”. كما نصّ الدستور على بطلان أي نص قانوني يتعارض مع أحكام الدستور، وعلى عدم مساس أي تحديد أو تقييد قانوني لجوهر الحقوق والحريات الواردة فيه.
٥- بعد مضي أكثر من ١٧ عاماً على إقرار الدستور في استفتاء شعبي في ٢٠٠٥، لم يشرّع البرلمان قانوناً لتنظيم هذه المادة الدستورية الهامة. بدلاً من ذلك، تلجأ مؤسسات الدولة الى استخدام قانون قمعي شرعته سلطة استبدادية قبل نحو ٥٣ عاماً هو قانون العقوبات ١١١ لعام ١٩٦٩ الذي استخدمته السلطة اليوم لتبرير الإجراءات الأخيرة. من غير المعقول أن قانوناً قمعياً قديماً يكون حاكماً على دستور ديموقراطي حديث نصّ، بوضوح، على دفاع الدولة عن حرية التعبير.
٦- لا بد من التنبيه هنا إلى السياق الاجتماعي المهم الذي تغفل عنه الدولة وهو أن انتشار المحتوى الفقير فنياً ومعرفياً وانجذاب كثيرين نحوه، هو نتاج طبيعي ومؤسف لفشل الدولة العراقية في تشكيل تجربة إيجابية فارقة في حياة العراقيين؛ فنقص الخدمات وبؤس التعليم وكثرة البطالة وغياب المؤسسات والمنافذ الترفيهية، خصوصاً لمحدودي الدخل الذين يمثلون غالبية العراقيين، وتضاؤل الأفق الاقتصادي الواعد، كل ذلك أدى الى تفاقم اليأس وتدهور الثقافة وتراجع الذائقة، وقد سهّلت هذه الوقائع السلبية والمؤلمة هروب الكثير من العراقيين، لاسيما الشباب، نحو المحتوى الفقير فنياً ومعرفياً والذي يوفر لهم عزاءً مزيفاً. لقد صنعت الدولة العراقية الظروف السيئة التي قادت إلى انتشار المحتوى الفقير، وبدلاً من أن تتحمل مسؤوليتها عن ذلك، وتعدّل مسارها لخلق ظروف ايجابية تساهم في ترسيخ قيم الثقافة رفيعة المستوى فنياً ومعرفياً، نراها تلجأ إلى قمع الأشخاص الذين أنتجتهم سياساتُها قصيرة النظر. لذلك كله فإن سلوك الدولة غير أخلاقي فضلاً عن كونه غير قانوني في المقام الأول، ومضرّاً بالمصلحة العامة.
٧- من الصعب فصل ما يجري من اعتقالات لبعض منتجي المحتوى في إطار الحملة الحالية التي تشنّها الدولة ضدهم على نحو متعسف عبر إصدار أحكام سريعة وقاسية عليهم، عن فشل الدولة في تعقّب سارقي المال العام، وبالتالي لا يمكن هنا تجاوز المفارقة المؤلمة الناتجة عن تعسّف الجهات الأمنية والقانونية تجاه ناشري هذا المحتوى، في مقابل تغافلها عن متهمين بسرقات ضخمة للمال العام، وتستّرها على شخصيات بسبب صلتهم بالقوى السياسية المهيمنة، وفي الوقت نفسه، تخلي سبيل ضباط حُكم عليهم فعلياً بعقوبات بسبب قتلهم للمتظاهرين.
ختاماً، تدين لجنة بيان ٣ حزيران الحملة الحكومية والقضائية ضد مَن يُطلق عليهم صنّاع “المحتوى السيء”، وتدعو إلى إيقاف كل الإجراءات العقابية بحقهم، وإطلاق سراح المعتقلين والمحكومين منهم، وعدم إلهاء مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها القضاء، بقضايا هامشية وغير مسوّغة قانوناً، وترك الملفات الكبرى التي تقوّض بنية المجتمع كتجارة المخدرات، والاتجار بالبشر، وجرائم الفساد المالي، ومافيات غسيل العملة وتهريبها التي ألحقت الضرر بالاقتصاد الوطني.